شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أمان النساء وجوارهن

          ░9▒ باب: أَمَانَ النِسَّاءِ وَجِوَارِهنَّ
          فيه: أَبُو مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عن أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أبي طَالِبٍ، قَالَتْ: (ذَهَبْتُ إلى الرَّسول صلعم عَامَ الْفَتْحِ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أبي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ، قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا في ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلانُ بْنُ هُبَيْرَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ، وَذَلِكَ ضُحًى). [خ¦3171]
          فيه من الفقه: جواز أمان المرأة، وأنَّ من أمَّنته حرم قتله، وقد أجارت زينب بنت رسول الله صلعم أبا العاص بن الرَّبيع، وعلى هذا جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق منهم: مالكٌ والثَّوريُّ وأبو حنيفة والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ وأحمد وإسحاق، وشذَّ عبد الملك بن الماجِشون وسَحنون عن الجماعة فقالوا: أمان المرأة موقوفٌ على جواز الإمام، فإن أجازه جاز، وإن رَدَّه رُدَّ.
          واحتجَّ من أجاز ذلك بأمان أمِّ هانئٍ لو كان جائزًا على كلِّ حالٍ دون إذن الإمام ما كان عليٌّ يريد قتل من لا يجوز قتله لأمان من يجوز أمانه، ولقال لها رسول الله صلعم: قد أمَّنت أنت وغيرك، فلا يحلُّ قتله، فلمَّا قال لها صلعم: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ). كان ذلك دليلًا على أنَّ أمان المرأة موقوفٌ على إجازة الإمام أو ردِّه.
          واحتجَّ الآخرون بأنَّ عليًّا وغيره لا يعلم إلَّا ما علَّمه الرَّسول صلعم، وأن إرادته لقتل ابن هُبَيْرة كان قبل أن يعلم قوله صلعم: ((ذمَّة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم)). ولمَّا / وجدنا هذا الحديث من رواية عليِّ بن أبي طالبٍ، ثبت ما قلناه، وكان من المحال أن يعلم عليٌّ هذا من النَّبيِّ صلعم ويرويه عنه، ثمَّ يريد قتل من أجارته أخته، وعلى هذا القول يكون تأويل قوله: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ)، أي: في سنَّتنا وحكمنا إجارة من أجرت أنت ومثلك، والدَّليل على صحَّة هذا التَّأويل قوله صلعم: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمَّتهم أدناهم)). والمرأة من أدناهم، وقد ذكر إسماعيل بن إسحاق من حديث عَمْرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه أن الرَّسول صلعم خطب بها عام الفتح على درجات الكعبة، وقال: ((يد المسلمين واحدةٌ على من سواهم)).