عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب شهادة النساء
  
              

          ░12▒ (ص) باب شَهَادَةِ النِّسَاءِ.
          (ش) أي: هذا باب في بيان جواز شهادة النساء.
          (ص) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}[البقرة:282].
          (ش) ذكر هذه القطعة مِنَ الآية؛ لأنَّها تدلُّ على جواز شهادة النساء مَعَ الرجال، وقال ابن بَطَّالٍ: أجمع أكثر العلماء على أنَّ شهادتهنَّ لا تجوز في الحدود والقصاص، وهو قول ابن المُسَيَِّبِ والنخعيِّ والشعبيِّ والحسن والزُّهْريِّ وربيعة ومالكٍ والليث والكوفيِّين والشَّافِعِيِّ وأحمد وأبي ثورٍ.
          واختلفوا في النكاح والطلاق والعتق والنسب والولاء؛ فذهب ربيعة ومالكٌ والشَّافِعِيُّ وأبو ثور إلى: أنَّهُ لا تجوز في شيءٍ مِن ذلك كلِّه مع الرجال، وأجاز شهادتهنَّ في ذلك كله مع الرجال الكوفيُّون، واتَّفقوا أنَّهُ تجوز شهادتهنَّ منفردات في الحيض والولادة والاستهلال وعيوب النساء، وما لا يطَّلع عليه الرجال مِن عوراتهنَّ للضرورة، واختلفوا في الرضاع؛ فمنهم مَن أجاز شهادتهنَّ منفردات، ومنهم مَن أجازها مع الرجال، وقال أصحابنا: يثبت الرضاع بما يثبت به المال، وهو شهادة رجلين أو رجلٌ وامرأتين، ولا تقبل شهادة النساء المنفردات، وعند الشَّافِعِيِّ: يثبت بشهادة أربع نسوةٍ، وعند مالك بامرأتين، وعند أحمد: بمرضعة فقط، وفي «الكافي»: أنَّهُ لا فرق بين أن يشهد قبل النكاح أو بعده انتهى.
          واختلفوا في عدد مَن يجب قبول شهادته مِنَ النساء على ما لا يطَّلع عليه الرجال؛ فقالت طائفة: لا يقبل أقلُّ مِن أربعٍ، وهذا قول أهل البيت والنخعيِّ وعطاء بن أبي رَبَاح وهو رأي الشَّافِعِيِّ وأبي ثور، وقالت طائفةٌ: تجوز شهادة امرأتين على ما لا يطَّلع عليه الرجال، وبه قال مالكٌ وابن شُبْرُمَة وابن أبي ليلى، وعَن مالكٍ: إذا كانت مع القابلة امرأة أخرى فشهادتها جائزةٌ، ورُوِيَ عَنِ الشعبيِّ أنَّهُ أجاز شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطَّلع عليه الرجال، وعَن مالكٍ: أرى أن تجوز شهادة المرأتين في الدَّين مع يمين صاحبه، وعن الشَّافِعِيِّ: يُستَحْلَف المدَّعى عليه ولا يُحَلَّف المدَّعي مع شهادة المرأتين، وقالت طائفة: لا تجوز شهادة النساء إلَّا في موضعين؛ في المال وحيث لا يرى الرجالُ مِن عورات النساء.