عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب شهادة المختبئ
  
              

          ░3▒ (ص) باب شَهَادَةِ الْمُخْتَبِئ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم شهادة المُختَبِئ _بالخاء المُعْجَمة؛ أي: المختفي_ عند التحمُّل، تقديره: هل تجوز أم لا؟ ثُمَّ ذكر بقوله:
          (ص) وَأَجَازَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ.
          (ش) أي: أجاز الاختباء عند تحمُّل الشهادة عَمْرو بن حريث _بِضَمِّ الحاء المُهْمَلة وبالمُثَلَّثة_ ابن عَمْرو بن عثمان بن عبد الله بن عُمَر بن مخزوم، المَخْزُومِيُّ مِن صغار الصحابة، ♥ ، ولأبيه صحبة، وليس له في البُخَاريِّ ذكرٌ إلَّا في هذا الموضع، وهذا التعليق رواه البَيْهَقيُّ مِن حديث سعيد بن منصور: حدَّثنا هشيم: أخبرنا الشَّيْبَانيُّ عن مُحَمَّد بن عبد الله الثَّقَفيِّ: أنَّ عَمْرو بن حُرَيث كان يُجيزُ شهادته _يعني: المختَبِئ_ ويقول: كذا يُفعَل بالخائن والفاجر.
          (ص) قَالَ: وَكَذَلِكَ يُفْعَلُ بِالْكَاذِبِ الْفَاجِرِ.
          (ش) أي: قال عَمْرو بن حُرَيث: كذلك _أي: بالاختباء عند تحمُّل الشهادة_ يُفعَلُ بسبب الكاذبِ الفاجر، وأراد بهِ المديون الذي لا يعترف بالدَّين ظاهرًا، ثُمَّ يختلي به الدائن في موضعٍ، وقد كان أخفى فيه مَن يُسمَع إقرارُه بالدَّين، فإذا شهد بذلك بعد ذلك يُسمَع عند عمرٍو، وبه قال الشَّافِعِيُّ في الجديد وابن أبي ليلى ومالكٌ وأحمد وإسحاق، ورُوِيَ عن شُرَيحٍ والشَّعبيِّ والنَّخَعيِّ أنَّهم كانوا لا يجيزون شهادة المختبئ، وقالوا: إنَّهُ ليس بعدلٍ حين اختفى ممَّن يشهد عليه، وهو قول أبي حنيفة والشَّافِعِيِّ في القديم.
          (ص) وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: السَّمْعُ شَهَادَةٌ.
          (ش) يعني: إذا سمِعَ مِن أحدٍ شيئًا ولم يُشهِدهُ عليه؛ تُسمَع شهادتُه عند عامرٍ الشعبيِّ ومُحَمَّد بن سِيرِين وعطاء بن أبي رَبَاح وقتادة بن دِعامة.
          وتعليق الشعبيِّ رواه ابن أبي شَيْبَةَ عن هشيم عن مُطَرِّف عنه به، ورُوِيَ عَنِ الشعبيِّ أنَّهُ قال: تجوز شهادة السمع إذا قال: «سمعته يقول» وإن لم يُشْهِدهُ، وكذا رُويَ عن عَبيدة وإبراهيم قالا: شهادة السمع جائزة، قال الطَّحَاويُّ في «مختصره»: يجوز للرجل أن يشهد بما سَمِعَ، إذا كان مُعايِنًا لمن سمعه منه وإن لم يُشْهده على ذلك.
          فَإِنْ قُلْتَ: قد مرَّ أنَّ الشعبيَّ لا يُجيز شهادة المختبئ، وقوله: (السمع شهادة) يعارضه؟
          قُلْت: لاحتمال أنَّ في شهادة المختبئ مخادعةً، ولا يلزم مِن ذلك رَدُّ شهادة السمع مِن غير قصدٍ، وعن مالكٍ نظيرُه؛ وهو أنَّهُ قال: الحرص على تحمُّل الشهادة قادحٌ، فإذا اختفى ليشهد فهو حِرْصٌ.
          (ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَمْ يُشْهِدُونِي عَلَى شَيْءٍ، وَإِنِّي سَمِعْتُ كَذَا وَكَذَا.
          (ش) تعليقُ الحسن البِصْريِّ رواه ابن أبي شَيْبَةَ عَن حاتم بن وردان عن يُونُس عَنِ الحسن قال: لو أنَّ رجلًا سمع مِن قومٍ شيئًا فَإِنَّهُ يأتي القاضي فيقول: لم يشهدوني، ولكنِّي سمعتُ كذا وكذا.