عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء أن البينة على المدعي
  
              

          ░1▒ (ص) باب مَا جَاءَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي.
          (ش) أي: هذا باب في بيان ما جاء مِن نصِّ القرآن أنَّ البيِّنة تتعيَّن على المدَّعي، وهذه الترجمة هكذا وقع في رواية الأكثرين، وسَقَطَ لبعضهم لفظ (باب)، وفي رواية النَّسَفِيِّ وابن شَبُّوْيَه: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) موجود قبل لفظ الكتاب، وفي بضع النُّسَخ: <بابُ مَا جَاءَ فِي البَيَّنَةِ عَلَى المُدَّعِي>.
          (ص) لِقَوْلِ اللهِ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلَا تَسْأَمُواْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُواْ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[البقرة:263].
          وقَوْلِ اللهِ ╡ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء:53].
          (ش) لم يُذكَر في هذا الباب حديثًا اكتفاءً بذكر الآيتين، وقال بعضهم: إمَّا إشارة إلى الحديث الماضي قريبًا مِن ذلك في آخر (باب الرهن).
          قُلْت: الذي في آخر (باب الرهن) هو حديث ابن عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلعم قضى أنَّ اليمين على المدَّعى عليه، وحديث عبد الله فيه: «شاهداك أو يمينه»، وهذا الوجه فيه بُعْدٌ لا يخفى، ثُمَّ وجه الاستدلال بالآية للترجمة أنَّهُ لو كان القول قول المدَّعي مِن غير بيِّنة لَمَا احتيج إلى الكتابة والإملاء والإشهاد عليه، فلمَّا احتيج إليه دلَّ على أنَّ البيِّنة على المدَّعي، وقال ابن بَطَّالٍ: الأمرُ بالإملاء يدلُّ على أنَّ القول قولُ مَن عليه الشيء، وأيضًا أنَّهُ يقتضي تصديقه فيما عليه، فالبيِّنة على مدَّعي تكذيبه، وأَمَّا الآية الأخرى فوجه الدلالة أنَّ الله قَد أَخَذَ عليه أن يُقِرَّ بالحقِّ على نفسه، فالقول قول المدَّعَى عليه، فإذا كذَّبه المدِّعي فعليه البيِّنة.
          وآية المداينة أطولُ آيةٍ في القرآن العظيم، وهي بتمامها مكتوبةٌ في الكتاب في رواية أبي ذرٍّ، وفي رواية ابن شَبُّوْيَه إلى قوله: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}، وقال سفيان الثَّوْريُّ عن ابن أبي نَجِيح عَن مجاهدٍ عَن ابن عَبَّاسٍ في قولِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} قال: نزلت في السَّلَم إلى أجلٍ معلوم.
          قوله: ({إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ}) أي: إذا تبايعتم بدينٍ، (الدَّين) ما كان مؤجَّلًا، و(العَين) ما كانت حاضرةً، يقال: دَانَ فلانٌ يَدينُ دَينًا: استقرض وصار عليه دَين، ورجلٌ مَديون: كثُر ما عليه مِنَ الدَّين، ومِديَان _بكسر الميم_ إذا كان عادته أن يأخذ / بالدَّين، وقال ابن الأثير: «الِمديان» الكثير الدَّين الذي عليه الديون، وهو «مِفعالٌ» مِنَ الدَّين؛ للمبالغة، ويقال للمَديون: (مَدِين) أيضًا.
          قوله: ({إِلَى أَجَلٍ}) (الأجَل) الوقت المسمَّى المعلوم.
          قوله: ({فَاكْتُبُوهُ}) أي: أثبِتوه في كتابٍ بُيِّن فيه قدر الحقِّ والأجل؛ ليرجع إليه وقت التنازع والنسيان، ولأنَّه يحصل منه الحفظ والتوثِقة.
          فَإِنْ قُلْتَ: {فَاكْتُبُوهُ} أمرٌ مِنَ الله تعالى، وثبتَ في «الصحيحين» عَنِ ابن عُمَر قال: قال رسول الله صلعم : «إنَّا أمَّةٌ أُمِّيَّة، لا نكتب ولا نحسُبُ»، فما الجمع بينهما؟
          قُلْت: إنَّ الدَّين مِن حيث هو غيرُ مفتقرٍ إلى كتابة أصلًا؛ لأنَّ كتاب الله قد سَهَّل الله حِفظَه على الناسِ، والسُّنن أيضًا محفوظة عَن رسول الله صلعم ، والذي أمر بكتابه إِنَّما هو أشياء جزئيَّة تقع بين الناس، فأُمِروا أمر إرشادٍ، لا أمر إيجاب كما ذهب إليه، وهو مذهب الجمهور، فإن كَتَبَ فحسَنٌ، وإن تَرَكَ فلا بأس، وقال أبو سعيدٍ والشعبيُّ والربيع بن أنس والحسن وابن جُرَيْج وابن زيد وآخرون: كان ذلك واجبًا، ثُمَّ نُسِخَ بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} وذهب بعضهم إلى أنَّهُ مُحكَمٌ.
          قوله: ({وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}) أي: بالحقِّ والإنصاف لا يزيد فيه ولا ينقص ولا يقدِّم الأجل ولا يؤخِّره، وينبغي أن يكون الكاتب فقيهًا عالمًا باختلاف العلماء، أديبًا مميِّزًا بين الألفاظ المتشابهة.
          قوله: ({وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ}) أي: لا يمتنع؛ كما أمر الله مِنَ العدل، ويقال: ولا يمتنع مَن يعرفُ الكتابة إذا سُئِل أن يكتبَ للناس ولا ضرورة عليه في ذلك، فكما علَّمه الله ما لم يكن يعلم؛ فليتصدَّق على غيره ممَّن لا يحسن الكتابة، كما جاء في الحديث: «إنَّ مِنَ الصدقة أن تُعينَ صانعًا أو تصنع لأخرق»، وفي الحديث الآخر: «مَن كتم علمًا يعلمه أُلجِمَ يوم القيامة بلجامٍ مِن نارٍ»، وقال مجاهدٌ وعطاء: واجبٌ على الكاتب أن يكتبَ.
          قوله: ({وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ}) (الإملال) و(الإملاء) لغتان جاء بهما القرآن، قال تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ}[الفرقان:5] وقال: {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} يقرُّ على نفسه بما عليه، ولا يُنقصُ مِنَ الحقِّ شيئًا، قال القاضي إسماعيل بن إسحاق: ظاهر قوله ╡ : {وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ} يدلُّ على أنَّ القول قولُ مَن عليه الشيء، وقال غيره: لأنَّ الله تعالى حين أمره بالإملاء اقتضى تصديقه فيما عليه، فإذا كان مصدَّقًا فالبيِّنة على مَن يدَّعي تكذيبه.
          قوله: ({فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا}) أي: محجورًا عليه بتبذيرٍ ونحوه، وقيل: {سَفِيهًا} أي: جاهِلًا بالإملاء، أو طفلًا صغيرًا.
          قوله: ({أَوْ ضَعِيفًا}) أي: عاجزًا عَن مصالحه، ويقال: أي: صغيرًا أو مجنونًا.
          قوله: ({أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ}) إمَّا بالعَيِّ أو الخَرس أو العُجمة أو الجهل بموضع صوابِ ذلك مِن خَطَئِه.
          قوله: ({فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ}) أي: من يقوم مقامه، وقيل: هو صاحب الدَّين يملي دَينه، والأَوَّل أصحُّ لأنَّ في الثاني ريبةً.
          قوله: ({وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ}) أي: مِن أهل مِلَّتكم مِنَ الأحرار البالغين، وهذا مذهبُ مالكٍ وأبي حنيفة والشَّافِعِيِّ وسفيان، وأكثر الفقهاء، وأجاز شريحٌ وابن سِيرِين شهادة العبد، وهذا قول أنسِ بن مالكٍ، وأجاز بعضهم شهادته في الشيء التافه، وإِنَّما أمر بالإشهاد مَعَ الكتابة لزيادة التوثقة.
          قوله: ({فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ}) أي: فإن لم يكن الشاهدان رجلين.
          قوله: ({فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}) [أي: فالشاهد رجلٌ، أو الذي يشهد رجلٌ وامرأتان] معه، وأقيمت المرأتان مقامَ الرجل لنقصان عقلِ المرأة؛ كما جاء ذلك في «الصحيح».
          قوله: ({مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}) أي: ممَّن كان مرضيًّا في دينه وأمانته وكفايته، وفيه كلامٌ كثيرٌ موضعه غير هذا.
          قوله: ({أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا}) قال الزَّمَخْشَريُّ: وانتصابه على أنَّهُ مفعولٌ له؛ أي: إرادة أن تضلَّ، وقرأ حمزة {إن تضلَّ إحداهما} على الشرط، ومعنى الضلال هنا عبارةٌ عَنِ النسيان، وقابل النسيان بالتذكُّر؛ لأنَّه يعادله، وقُرِئ: {فَتُذَكِّر} بالتخفيف والتشديد، وهما لغتان.
          قوله: ({وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ}) أي: / لا يمتنع الشهود إذا ما طُلبوا لتحمُّل الشهادة وإثباتُها في الكتاب، وقيل: لإقامتها وأدائها عند الحاكم، وقيل: التحمُّل والأداء جميعًا، وهذا أمر ندبٍ، وقيل: فرض كفاية، وقيل: فرض عين، وهو قول قتادة والربيع، وقال مجاهدٌ وأبو مِجلَز وغير واحد: إذا دُعِيْتَ لتشهدَ فأنت بالخيار، وإذا شهدتَ فَدُعِيْتَ فأجب.
          قوله: ({وَلَا تَسْأَمُوا}) أي: ولا تضجروا.
          ({أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا}) أي: قليلًا كان المال أو كثيرًا.
          قوله ({إِلَى أَجَلِهِ}) أي: إلى وقته.
          قوله: ({ذَلِكُم}) إشارة إلى {أَن تَكْتُبُوهُ} لأنَّه في معنى المصدر؛ أي: ذلكم الكَتْب.
          قوله: ({أَقْسَطُ}) أي: أَعْدَل، ({وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ}) أي: أعون على إقامة الشهادة.
          قوله: ({وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُواْ}) أي: أقرب مِن انتفاء الرَّيْب في مبلغ الحقِّ والأجل.
          قوله: ({إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ}) استثناء مِنَ الاستشهاد والكتابة، و{تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ} بالرفع على أنَّ (كان) التَّامَّة، وقيل: هي الناقصة على أنَّ الاسم {تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ} والخبر ({تُدِيرُونَها}) وقرئ بالنصب على: أن تكون التجارةُ تجارةً حاضرةً، ومعنى {حَاضِرَة} يدًا بيد تُديرونها بينكم، وليس فيها أجلٌ ولا نسيئة، وأباح الله ترك الكتابة فيها؛ لعدمِ الخوف فيه مِنَ التأجيل.
          قوله: ({جُنَاحٌ}) أي: حَرَجٌ.
          قوله: ({وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ}) إذا كان فيه أجلٌ، أو لم يكن؛ فأشهدوا على حقِّكم على كلِّ حال، ورُوِيَ عن جابر بن زيد ومجاهد وعطاءٍ والضحاك نحو ذلك، وقال الشعبيُّ والحسن: هذا الأمر منسوخٌ بقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا} وهذا الأمر محمولٌ عند الجمهور على الإرشاد والندب لا على الوجوب.
          قوله: ({وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ}) وهو أن يزيدَ أو ينقص أو يحرِّفَ أو يشهد بما لم يُسْتَشْهَد، أو يمتنعَ عن إقامة الشهادة، وقيل: أن يمتنع الكاتبُ أن يكتب والشاهدُ أن يشهدَ، وقيل: أن يدعوهما وهما مشغولان، وقيل: أن يُدَعى الكاتب أن يكتبَ الباطل، والشاهد أن يشهد بالزور.
          قوله: ({وَإِن تَفْعَلُواْ}) يعني: ما نُهِيْتُم عنه.
          قوله: ({فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}) أي: خروج عَنِ الأمر.
          قوله: ({وَاتَّقُوا اللهَ}) أي: خافوه وراقبوه واتَّبعوا أمره واتركوا زواجره.
          قوله: ({وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ}) أي: بشرائع دينه.
          ({وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}) أي: عالمٌ بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها ولا يخفى عليه شيءٌ مِنَ الأشياء، بل علمهُ محيطٌ بجميع الكائنات.
          قوله: (وَقَوْلِ اللهِ ╡ ) بالجرِّ عطفٌ على قوله: (لقولِ الله تعالى).
          قوله: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}) الآية في (سورة النساء).
          قوله: ({بِالْقِسْطِ}) أي: بالعدل، فلا تعدلوا عنه يمينًا ولا شمالًا وألَّا يأخذكم في الحقِّ لومةُ لائمٍ.
          قوله: ({شُهَدَاء لِلّهِ}) تُقيمون شهاداتكم لوجه الله كما أُمِرْتُم بإقامتها.
          قوله: ({وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ}) أي: ولو كانت الشهادةُ على أنفسكم؛ أي: اشهد بالحقِّ ولو عاد ضررُها عليك، إذا سُئِلتَ عَنِ الأمر فَقُلِ الحقَّ فيه وإن كانت مَضرَّةً عليك، فإنَّ الله سبحانه سيجعل لِمَن أطاعه فرجًا مخرجًا مِن كلِّ أمرٍ يضيق عليه، وقيل: معنى الشهادة على نفسه هي الإقرار على نفسه؛ لأنَّه في معنى الشهادة عليها بإلزامِ الحقِّ لها.
          قوله: ({أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ}) أي: وإن كانت الشهادة عليهم فلا تراعوهم، بل اشهدوا بالحقِّ وإن عاد ضررُها عليهم، فالحقُّ حاكمٌ عليهم وعلى كلِّ أحدٍ.
          قوله: ({إِن يَكُنْ غَنِيًّا}) أي: إن يكنِ المشهودُ عليه غنيًّا لا تَرْعوه لغِناه، ({أَوْ}) يكُن ({فَقِيرًا}) لا تُشفِقوا عليه لفقره، ({فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا}) منكم، وأعلمُ بما فيه صلاحهما.
          قوله: ({فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}) أي: كراهة أن تعدلوا، أو إرادة أن تعدلوا، على اعتبارِ العدل والعدول.
          قوله: ({وَإِن تَلْوُوا}) مِن اللَّيِّ؛ وهو التحريف وتعمُّد الكذب؛ أي: وإن تلوُوا ألسنتكم عَن شهادة الحقِّ ({أَوْ تُعْرِضُوا}) عَن الشهادة بما عندكم وتمنعوها؛ ({فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}) بمجازاتكم عليه.