الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا

          1010- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ): أي: ابن الصباح، وهو الزعفرانيُّ البغداديُّ، صاحب الشَّافعيِّ (قَالَ: حَدَّثَنا مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَاِرِيُّ): ولأبي ذرٍّ: <حدَّثنا الأنصاريُّ>، قال في ((الفتح)): والأنصاريُّ شيخُ البخاريِّ، يروي عنه كثيراً، وربَّما أدخل بينهما واسطةً كهذا الموضع، ووهم مَن زعم أنَّ البخاريَّ أخرج هذا الحديث عن الأنصاريِّ نفسه.
          (قَالَ: حَدَّثَنِي): بالإفراد (أَبِي، عَبْدُ اللهِ): برفع: ((عبدُ اللهِ)): بدلٌ أو عطف بيانٍ على ((أبي)) (ابنُ المُثَنَّى): بتشديد النُّون المفتوحة؛ أي: ابن عبدِ الله بن أنس بن مالكٍ (عَنْ ثُمَامَةَ): بضمِّ المثلَّثة وبميمَين مفتوحتَين، وهو عمُّ عبد الله (عَنْ أَنَسٍ): وللأصيلي زيادة: <ابن مالكٍ> وهو جدُّ ثمامة.
          (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ☺ كَانَ): أي: عُمر، ويحتملُ كان هو؛ أي: الشَّأن (إِذَا قَحَطُوا): بالبناء للفاعل على ما في الفرعِ، وضبطه في ((فتح الباري)) ببنائِه للمفعول؛ أي: أصابهم القحطُ (اسْتَسْقَى): أي: عمر (بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ): وذلك للرَّحِم الَّتي بينه وبين النبيِّ، فأراد عُمر أن يكون ذلك وسيلةً إلى رحمةِ الله (فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ / إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا): أي: في حياتِه (فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ): أي: بعده (بِعَمِّ نَبِيِّنَا): أي: العبَّاس (فَأسْقِنَا): بقطع الهمزة ووصلِها (قَالَ: فَيُسْقَوْنَ): بالبناء للمفعول، وهذه سنن الأممِ السَّالفة، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ} [الأعراف:160].
          وقال في ((الفتح)): روى عبدُ الرزَّاق من حديث ابن عبَّاسٍ: أنَّ عمر استسقى بالمصلَّى، فقال للعبَّاسِ: قُم فاستسقِ، فقام العبَّاس، فذكر الحديث، قال في ((الفتح)): فتبيَّن بهذا أنَّ العبَّاس كان مسؤولاً، وأنَّه ينزل منزلة الإمام إذا أمره الإمام بذلك، وروى ابنُ أبي شيبة بإسنادٍ صحيحٍ عن مالكٍ الدَّاريِّ وكان خازن عمر، قال: أصاب النَّاسَ قحطٌ في زمن عُمر، فجاء رجلٌ إلى قبر النبيِّ فقال: يا رسول الله، استسقِ لأمَّتك فإنَّهم قد هلكوا، فأُتي الرَّجل في المنام فقيل له: ائت عمرَ... الحديث، وروى سيفٌ في ((الفتوح)): أنَّ الذي رأى المنامَ المذكور بلال بن الحارث المزني، أحد الصَّحابة، قال: وظهر بهذا كلِّه مناسبةُ التَّرجمة لأصل هذه القصَّة. انتهى.
          وقد حُكي عن كعب الأحبار: أنَّ بني إسرائيل كانوا إذا قحطُوا استسقوا بأهل بيتِ نبيِّهم.
          وقال في ((الفتح)): ذكر الزُّبير بن بكَّارٍ في ((الأنساب)) صفة ما دعا به العبَّاس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسنادِه ((أنَّ العبَّاس لمَّا استسقى به عُمر قال: اللهمَّ إنَّه لم ينزل بلاءٌ إلَّا بذنبٍ ولم يكشف إلَّا بتوبةٍ، وقد توجَّه بي القوم لمكاني من نبيِّكَ، وهذه أيدينا إليك بالذُّنوب، ونواصينا إليك بالتَّوبة فاسقِنا الغيث، فأرخت السَّماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش النَّاس)) وأخرج الزُّبير أيضاً عن ابن عمرَ قال: ((استسقى عمرُ بن الخطَّاب عام الرَّمادة بالعبَّاس بن عبد المطَّلب...)) فذكر الحديثَ، وفيه: ((فخطبَ النَّاسَ عُمر فقال: إنَّ رسول الله كان يرى للعبَّاس ما يرى الولد للوالد، فاقتدوا أيُّها الناس برسول الله في عمِّه العبَّاس، واتَّخذوه وسيلةً إلى الله)) وفيه: ((فما برحوا حتَّى سقاهم الله))، وأخرجه البلاذريُّ عن أسلمَ بدل ابن عمر، أنَّ عام الرَّمادة كان سنة ثمان عشرة، وكان ابتداؤه مصدر الحاجِّ منها، ودام تسعةَ أشهرٍ، والرَّمادة _بفتح الراء وتخفيف الميم وبالدَّال المهملة_ سُمِّي العام بها لِما حصل من شدَّة الجدب، فاغبرَّتِ الأرض من عدم المطر، وفي الحديث الاستشفاعُ بأهل الخير والصَّلاح وأهل بيت النبوَّة، وفيه: فضل العبَّاس، وتواضع عمر، ومعرفته بحقِّه.