الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيض يستسقى

          1008- 1009- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ): بفتح العين فيهما، الباهليُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا): وفي نسخةٍ: <أخبرنا> فيه وفيما بعده (أَبُو قُتَيْبَةَ): مصغَّراً، كنية: (سَلْمٌ): بفتح السِّين المهملة وسكون اللَّام، الخراسانيُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ دِيْنَارٍ عَنْ أَبِيْهِ): أي: عبد الله (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ): أي: ابن الخطَّاب ☻ (يَتَمَثَّلُ): بفتحاتٍ مع تشديد المثلَّثة؛ أي: يتكلَّم (بِشِعْرِ أَبِي طَالِبٍ): متمثِّلاً به، زاد ابن عساكرَ: <فقال> (وَأَبْيَضُ): قال في ((الفتح)): مجرورٌ برُبَّ مقدَّرة، أو منصوبٌ بإضمار: أعني أو أخصُّ، قال: والرَّاجح أنَّ نصبه بالعطف على سيِّداً في البيت قبله.
          وأقولُ: بل منع الوجه الأوَّل الدَّمامينيُّ تبعاً للزَّركشيِّ رادًّا على ابن هشامٍ قوله في ((مغنيه)): مجرورٌ برُبَّ مضمرة، وعطفه كصاحب ((الفتح)) على سيِّداً في قوله:
ومَا تَركُ قَومٌ لَا أَبَا لَكَ سَيِّداً                     يَحُوطُ الذِّمَارَ غَيرَ ذَرْبٍ مُوَاكِلِ
          قال: وهو من عطف الصِّفات لموصوفٍ واحدٍ، قال القسطلانيُّ: ويجوز الرَّفع، وهو في ((اليونينيَّة))، خبر مبتدأٍ محذوفٍ؛ أي: وهو أبيض.
          (يُسْتَسْقَى الغَمَامُ): بالبناء للمفعول؛ أي: يستسقي النَّاس الغمام (بِوَجْهِهِ): ولا يخفَى ما في إسناد ((يُستسقى)) إلى ((الغمام)) من المجازِ في الإسناد (ثِمَالَ): بكسر المثلَّثة؛ أي: كافي (اليَتَامَى): أي: بإطعامهم عند الشَّدائد أو ملجؤهم أو مغيثهم، قال الزَّركشيُّ: وأصله مِن الثَّميلة، وهو بقيَّة الطَّعام في البطن؛ لأنَّها تشدُّ القويَّ، و((ثمال)): تابعٌ في الإعراب لـ((أبيض)) كقوله: (عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ): قال القسطلانيُّ: في غير ((اليونينيَّة)): <ثمالِ> و<عصمةٍ> بالجرِّ فيهما مع الوجهين الآخرين.
          والعِصْمة _بكسر العين وسكون الصَّاد المهملتين_ المنع، مِن عصمه: منعه قال تعالى: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} [هود:43] والأراملُ: جمع أرملةٍ، وهي الفقيرةُ الَّتي لا زوجَ لها، والأرمل: الرَّجل الذي لا زوجة له، قال:
هَذِي الأَرَامِلُ قَدْ قُضِيَتْ حَاجَتُهَا                     فَمَنْ لِحَاجَةِ هَذَا الأَرْمَلِ الذَّكَرِ
          قال القسطلانيُّ تبعاً لـ((فتح الباري)): نعم استعمالُهُ في الرَّجل مجازٌ؛ لأنَّه لو أوصَى للأرامل خصَّ النِّساء دون الرِّجال. انتهى.
          وأقولُ: عدم دخوله في الوصيَّة لابتنائها على العرفِ، وهو لا يُسمَّى فيه أرملَ، كما يشيرُ إليه قول شيخ الإسلام: وإن كان استعماله في الرَّجل مجازاً عرفيًّا. انتهى، لا لأنَّه لا يطلقُ على الرَّجل حقيقةً في اللُّغة، ففي ((القاموس)): رجلٌ أرملُ، وامرأةٌ أرملةٌ: محتاجةٌ أو مسكينةٌ، والجمع: أرامل وأراملة، والأرمل: العزب، وهي بهاء، ولا يُقال للعزبةِ الموسرة: أرملةٌ، ومِن الأعوام: القليل المطر والنَّفع، والأرملة: الرِّجال المحتَاجون الضُّعفاء. انتهى، فتأمَّله.
          واستشكلَ إدخال هذا الحديثِ في التَّرجمة؛ إذ ليس فيه أنَّ أحداً سأل الإمام أن يستسقيَ لهم، وأجاب ابن رشيدٍ باحتمال أنَّه أراد بالتَّرجمة الاستدلال بطريق الأولى؛ لأنَّهم إذا كانوا يسألون الله به فيسقيهم فأحرى أن يقدِّموه للسُّؤال. انتهى، واستحسنه في ((فتح الباري)) ونقل جواب ابن المنيِّرِ وتعقَّبه، مع أنَّه مثله فإنَّه قال: تُؤخذ / المناسبة من قوله: ((يُستسقى الغمام)): أي: يسقى الناس. انتهى؛ أي: فيُقال: إذا استسقَى النَّاس الغمام بوجهه؛ فأولى أن يسألوه الاستسقَاء ويقدِّموه له.
          وأمَّا قول ((الفتح)) في التعقُّب: إذ يحتمل أن يكونوا طلبوا السُّقيا من الله مستشفِعين به عليه السَّلام. انتهى، فيمكن أن يجريَ هذا الاحتمال في جواب ابن رشيدٍ، فتأمَّله منصفاً، ثمَّ قال في ((الفتح)): ويمكن أنَّه أراد من حديث ابن عمرَ سياق الطَّريقة الثَّانية عنه، وأنَّ الأُولى مختصَرةٌ منها، وفي الثَّانية: ربَّما ذكرتُ قول الشَّاعر وأنا أنظر إلى وجهِ النَّبيِّ يستسقي، فدلَّ على أنَّه هو الَّذي باشرَ الطَّلب صلعم، وأنَّ ابنَ عمر أشار إلى قصَّةٍ وقعتْ في الإسلام حضرها، لا مجرَّد ما دلَّ عليه شعر أبي طالبٍ، وقد عُلِم من بقيَّة الأحاديث أنَّه عليه السَّلام إنَّما استسقى إجابةً لسؤال مَن سأله في ذلك، كما في حديث ابن مسعودٍ الماضِي وحديث أنسٍ الآتي، وأوضح من ذلك ما أخرجه البيهقيُّ في ((الدَّلائل)) عن أنسٍ بلفظ: جاء رجلٌ أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ فقال: يا رسولَ الله، أتيناك وما لنا بعيرٌ يثطُّ ولا صبيٌّ يغطُّ، ثمَّ أنشدَ شعراً يقول فيه:
ولَيْسَ لنَا إلَّا إِليْكَ فِرَارُنَا                     وأَيْنَ فِرَارُ النَّاسِ إِلَّا إِلَى الرُّسْلِ
          فقام عليه الصَّلاة والسَّلام يجرُّ رداءَه حتَّى صعِدَ المنبرَ فقال: ((اللَّهمَّ اسقِنَا))...الحديث، وفيه: ثمَّ قال رسول الله: ((لو كانَ أبو طَالبٍ حيًّا لقرَّت عينَاه، مَن ينشدنا قوله؟)): فقام عليٌّ فقال: يا رسول الله؛ كأنَّك أردت قوله:
وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ...
          الأبيات، فظهرتْ بذلك مناسبة حديث ابنِ عمر للتَّرجمة. انتهى.
           (وَقَالَ عُمَرُ): بضمِّ العين (ابْنُ حَمْزَةَ): بفتح الحاء المهملة والزَّاي؛ أي: ابن عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، وهذا التَّعليق وصله أحمدُ وابنُ ماجه والإسماعيليُّ، قال: (حَدَّثَنَا سَالِمٌ): هو عمُّ عمر المذكور، قال في ((الفتح)): عمر مختلفٌ في الاحتجاجِ به، وكذا عبد الرَّحمن بن عبد الله المذكور في الطَّريق الموصُولة قبله، فاعتضدَتْ إحدَى الطَّريقين بالأخرى، وهو من أمثلة أحدِ قسمي الصَّحيح.
          (عَنْ أَبِيهِ): أي: عبد الله بن عُمر بن الخطَّاب قال ابن عمر: (رُبَّمَا ذَكَرْتُ قَوْلَ الشَّاعِرِ): أي: أبي طالبٍ عمِّ رسول الله (وَأَنَا أَنْظُرُ): جملة حاليَّةٌ (إِلَى وَجْهِ النَّبِيِّ صلعم): وجملة: (يَسْتَسْقِي): حالٌ، زاد ابن ماجه: ((على المنبرِ في المدينة)) (فَمَا يَنْزِلُ): أي: رسول الله عن المنبرِ (حَتَّى يَجِيْشَ): بفتح التَّحتيَّة وكسر الجيم فتحتيَّة ساكنة فشين معجمة، مِن جاشَ القِدر: غلَتْ، وجاشَ الوادِي: إذا زخرَ _بالخاء المعجمة_ وامتلأ، أو مِن جاشَ البحرُ: هاجَ، وهو هنا كنايةٌ عن كثرةِ المطر.
          (كُلُّ مِيزَابٍ): فاعل ((يجيش)) ومضاف إليه، ولأبي ذرٍّ والأصيليِّ عن الحموي والكشميهنيٍّ: <لك ميزاب> بتقديم اللَّام على الكاف، قال في ((الفتح)): وهو تصحيفٌ، والمِيْزاب _بكسر الميم وبتحتيَّةٍ مقلوبة عن الواو أو عن الهمزة وبالزَّاي_ ما يسيل منه الماء من موضعٍ عالٍ، وقال في ((القاموس)): وزب الماء: سال، ومنه الميزاب، أو هو فارسيٌّ ومعناه: بل الماء، فعرَّبوه بالهمز، فلهذا جمعوه: مآزب. انتهى، وأمَّا قولهم: مزْراب _بزاي ساكنة فراء فألف_ فلعلَّه من كلام العامَّة، فتدبَّر.
          وقوله: (وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلأَرَامِلِ): بدلٌ من: ((قول الشاعر)) أو عطف بيانٍ، وقوله: (وَهْوَ قَوْلُ أَبِي طَالِبٍ): من كلام ابن عمر، وجعله شيخ الإسلام مقول: ((وقول الشَّاعر))، ووقع لابنِ عساكر الاقتصار على الشَّطر الأوَّل، وقدَّم قوله: <وهو قول أبي طالبٍ> / فذكره عقب: <كل ميزاب>، وهذا البيت من قصيدةٍ لاميَّةٍ بليغةٍ مِن بحر الطَّويل، جملتها مائةٌ وعشرة أبياتٍ على ما قاله العينيُّ، نظمها أبو طالبٍ عمُّ رسول الله صلعم لمَّا تمالأت قريش على النَّبيِّ، ونفروا عنه من يريد الإسلام.
          وقال في ((الفتحِ)): وقد ذكرها ابن إسحاقَ في ((سيرته))، وهي أكثر من ثمانين بيتاً، وأولها:
وَلَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ لَا وِدَّ فِيْهِم                     وقَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرَا والوَسَائلِ
وقَدْ جَاهَرُونَا بِالعَدَاوَةِ وَالأَذَى                     وقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ العَدُوِّ المُزَايلِ
          انتهى ملخَّصاً.
          وذكر منها حصَّةً من الأبياتِ.
          وقال العينيُّ: أولها:
خَلِيْلَيَّ مَا أُذَنِي لأَوَّلِ عَاذِلٍ                     بصَغَوَاء فِي حَقٍّ ولَا عنْدَ بَاطِل
          وآخرها قوله:
ولَا شَكَّ أنَّ اللهَ رَافِعٌ أَمْرَه                     ومُعْلِيهِ فِي الدُّنْيا ويَومَ التَّجَادُل
كَمَا قَدْ رَأَى فِي اليَومِ والأَمْسِ جَدُّه                     وَوَالِــــــدُهُ رُؤيَـــــاهُمَا غَير آفِـــــــل
          وذكر فيها أشياء كثيرةً مِن عداوة قريش له بسبب النَّبيِّ ومدحه نفسه ونسبه وذكر سيادته وحمايته للنَّبيِّ والتعرُّض لبني أميَّة، وغير ذلك. انتهى.
          وأقولُ: لعلَّ الاختلاف في أوَّلها مبنيٌّ على الاختلاف في مقدارها، فتأمَّل.
          وفي ((سيرة ابن إسحاق)) وفي ((ديوانه)) والَّذي رأيته في ((ديوانه)) كما ذكرهُ العينيُّ، وتقدَّم ما قبل هذا البيت، وبعده:
يَلُوذُ بِهِ الهَلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ                     فَهُمُ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وفَوَاضِلِ
          تنبيهٌ: استشكل السُّهيليُّ في ((روضه)) قولَ أبي طالبٍ مع أنَّه لم يرَ النَّبيَّ قطُّ استسقَى، فإنَّه إنَّما كان منه ذلك بعد الهجرة، وأجابَ بما حاصله أنَّ أبا طالبٍ أشارَ إلى ما وقعَ زمن عبد المطَّلب، فقد روى الخطَّابيُّ بسنده خبراً فيه: أنَّ قريشاً تتابعتْ عليهم سنوُّ جدبٍ في حياة عبد المطَّلب، فارتقى هو ومن حضره من قريش أبا قبيسٍ، فقام عبد المطَّلب فاعتضدَ ابن ابنه محمَّد، فرفعَه على عاتقه، وهو يومئذٍ غلامٌ قد أيفع أو كرب، ثمَّ دعا، فسقوا في الحالِ، فقد شاهد أبو طالبٍ ما دلَّ على ما قاله. انتهى.
          وقال في ((الفتح)): ويحتملُ أن يكون أبو طالبٍ مدحَه بذلك لمَّا رأى من مخايل ذلك فيه وإن لم يشاهد وقوعه. انتهى.
          وذكر القسطلانيُّ جواباً فقال: أشار إلى ما أخرجَه ابن عساكرَ عن جلهمةَ بنِ عرْفطةَ قال: قدمت مكَّة وهم في قحطٍ، فقالت قريش: يا أبا طالبٍ، أقحط الوادي وأجدبَ العيالُ، فهلُمَّ فاستسقِي، فخرجَ أبو طالبٍ معه غلامٌ _يعني: النَّبيَّ_ كأنَّه شمسُ دجنٍ تجلَّتْ عنه سحابةٌ قتماءُ، وحولَهُ أغيلِمَةٌ، فأخذَهُ أبو طالبٍ فألصَقَ ظهرهُ بالكعبةِ، ولاذَ الغلامُ وما في السَّماء قزَعةٌ، فأقبلَ السَّحابُ من هاهنا وهاهنا، وأغدَقَ واغدَودَق، وانفجر له الوادي وأخصبَ له النَّادي والبادِي، وفي ذلك يقول أبو طالبٍ:
وأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوَجْهِهِ
          انتهى.
          ثمَّ قال: وذكر ابن التِّين أنَّ في شعر أبي طالبٍ هذا دلالةً على أنَّه كان يعرف نبوَّة النَّبيِّ قبل أن يُبعَث لما أخبره بحيرا وغيره من شأنه، وفيه نظرٌ لما تقدَّم عن ابن إسحاق: أنَّ إنشاءَ أبي طالبٍ لهذا الشِّعر كان بعدَ البعث، ومعرفتهِ بنبوَّة رسولِ الله جاءت في كثيرٍ من الأخبار، وتمسَّك بها الشِّيعة في أنَّه كان مسلماً، ورأيت لعليِّ بن حمزة البصريِّ جزءاً جمع فيه شِعرَ أبي طالبٍ، وزعم في أوَّله أنَّه كان مسلماً وأنَّه مات على الإسلام، وأنَّ الحشويَّة تزعم أنَّه مات كافراً، وأنَّهم لذلك يستجيزون لعنه، ثمَّ بالغ في سبِّهم والردِّ عليهم، واستدلَّ لدعواه بما لا دلالةَ فيه، وبيَّنتُ ذلك في ترجمة أبي طالبٍ مِن ((الإصابة))، وسيأتي بعضه في المبعثِ في ترجمة أبي طالبٍ. انتهى / .
          وأقولُ: قال في ((الإصابةِ)): أبو طالب بنُ عبد المطَّلب، عمُّ رسول الله شقيق أبيه، أمُّهما فاطمةُ بنت عَمرٍو المخزوميَّة، اشتهر بكُنيته، واسمه عبد منافٍ على المشهور، وقيل: عمران، وقال الحاكم: أكثرُ المتقدِّمين على أن اسمه كنيته، وُلد قبل النَّبيِّ بخمسٍ وثلاثين سنةً، ولمَّا مات عبد المطَّلب أوصى بمحمَّدٍ إلى أبي طالبٍ فكفلَه وأحسن تربيته، وسافر به إلى الشام وهو شابٌّ، ولمَّا بُعث قام في نصرته وذبَّ عنه مَن عاداه ومدحه بمدائحَ منها قوله: وأبيض...الأبيات لمَّا استسقى به أهلُ مكة فسقوا، ومنها قوله: مِن قصيدةٍ:
وشَقَّ لَهُ مِنْ اسْمِهِ ليُجِلَّه                     فَذُو العَرْشِ محْمُودٌ وهَذَا محَمَّدُ
          قال ابن عيينةَ: عن عليِّ بن زيدٍ: ما سمعتُ أحسن من هذا البيت، وأخرج ابن عديٍّ عن أنسٍ قال: مرض أبو طالبٍ فعاده النبيُّ فقال: يا ابن أخي؛ ادعُ ربَّك الذي تعبده فيعافيني، فقال: ((اللهمَّ اشفِ عمِّي)) فقام كأنَّما نشط من عقالٍ، فقال: يا ابنَ أخي؛ إنَّ ربَّك ليطيعك، وذكر جمعٌ من الرَّافضة أنَّه مات مسلماً، وتمسَّكوا بنحو قوله:
ودَعَوْتَنِي وعَلِمْتُ أنَّكَ نَاصِحِي                      ولَقَدْ صَدَقْتَ وكنْتَ ثَمَّ أَمِيْنَا
ولَقَدْ عَلِمْتُ بأَنَّ دِينَ محمَّدٍ                     مِنْ خَيرِ أَدْيَانِ البَرِيَّة دِيْنَا
          وقال ابنُ عساكرَ: قيل: إنَّه أسلم، ولا يصحُّ، وقد وقفتُ على تصنيفٍ لبعض الشِّيعة أثبتَ فيه إسلام أبي طالبٍ، من ذلك ما أخرجَه عن ابن عبَّاسٍ قال: لمَّا أتى رسولُ الله أبا طالبٍ في مرضهِ قال له: ((يا عمِّ، قل: لا إله إلَّا الله، كلمة أستحلُّ بها لكَ الشَّفاعةَ يومَ القيامةِ)) قال: يا ابن أخي، والله لولا أن تكون شفقة عليَّ وعلى أهلي من بعدي يرون أنِّي قلتُها جزعاً عند الموت لقلَّتها، لا أقولها إلَّا لأسرَّك بها، فلمَّا ثقل أبو طالبٍ رُؤي يحرِّك شفتيه، فأصغى إليه العبَّاس فسمع قوله، فرفع عنه فقال: واللهِ قد قال الكلمةَ الَّتي سألته. انتهى ملخَّصاً.
          وأطال مِن ذكر أحاديثَ وأشياء للرَّافضيِّ المذكور وناقش فيها، فراجعها.