الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قول النبي: نصرت بالصبا

          ░26▒ (باب: قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: نُصِرْتُ بِالصَّبَا): أي: نصرني الله بالصَّبا، فالفعل مبنيٌّ للمفعول: و((الصَّبا)): بفتح الصاد مقصورٌ، نائب فاعلٍ، قال العينيُّ: في جمعها: صَبَيان، وصبوان، وأصباء، وكتابتُها بالألف لقولهم: صبت الرِّيح تصبو صباً: إذا هبَّت. انتهى، وقال أبو عليٍّ: الصَّبا والدَّبور يكونان اسماً وصفةً، والدَّبور: يُجمَع على دُبُرٍ وأدبارٍ، ويُجمَع قبولٌ على قبائلَ. انتهى.
          قال الزَّين ابن المنيِّر: في هذه التَّرجمة إشارةٌ إلى تخصيص حديث أنسٍ الذي قبلَه بما سوى الصَّبا من جميعِ أنواع الرِّيح؛ لأنَّ قضيَّة نصرِها له أن يكونَ ممَّا سُرَّ بها دون غيرها، ويحتمل أن يكون حديثُ أنسٍ على عمومه، إمَّا بأن يكون نصرُها له متأخِّراً عن ذلك؛ لأنَّ ذلك وقعَ في غزوة الأحزابِ، وهو المرادُ بقولِه تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب:9] كما جزم به مجاهدٌ وغيرُه، وإمَّا بأن يكون نصرُها له بسببِ إهلاك أعدائِهِ، فيخشى من هبوبها أن تُهلِك أحداً من عُصاة أمَّته، وهو كان بهم رؤوفاً رحيماً صلعم، وأيضاً: فالصَّبا تؤلِّف السَّحاب وتجمعه، فالمطر في الغالب يقعُ حينئذٍ، وقد وقع في الخبر الماضي أنَّه كان إذا أمطرت سُرِّيَ عنه، وذلك يقتضي أن تكونَ الصَّبا أيضاً مما يقعُ التخوُّف عند هبوبها، فيعكر ذلك على التَّخصيص المذكورِ.