الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما قيل إن النبي لم يحول رداءه في الاستسقاء يوم الجمعة

          ░11▒ (بَابُ مَا قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمْ يُحَوِّلْ): بكسر الواو المشدَّدة (رِدَاءَهُ): بكسر الراء والمدِّ (فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ): اعلم أنَّ الإسماعيليَّ اعترض على البخاريِّ فقال: لا أعلم أحداً ذكر في حديث أنسٍ تحويل الرِّداء، وإذا قال المحدِّث: لم يذكر أنَّه حوَّل؛ لم يجز أن يُقال: إنَّ النبيَّ لم يحوِّل؛ لأنَّ عدم ذكْرِ الشَّيء لا يُوجب عدم ذلك الشَّيء. انتهى.
          وأقولُ: لكنَّه الأصل، فلا يُعدلُ عنه إلَّا بدليلٍ، وعليه فيُقال: لم يحوِّل بناءً على هذا الأصل، وبهذا / يندفع الاعتراض، فتدبَّر.
          وقال في ((الفتح)): إنَّما عبَّر بـ((قيل)) مع صحَّة الخبر بالتَّحويل؛ لأنَّ القائل في الحديث: ولم يذكر أنَّه حوَّل رداءه يحتمل أنَّه الراوي عن أنسٍ أو من دونه، فلهذا لم يجزم بالحكم مع أنَّ سكوت الرَّاوي عن ذلك لا يقتضي نفيَ الوقوعِ، وتقييدُه بقوله: ((يوم الجمعة)) ليبيِّنَ أنَّ قوله فيما مرَّ: ((باب تحويل الرِّداء في الاستسقاء)) خاصٌّ بالمصلِّي.
          وأقولُ: ظاهر كلامِه _كالشَّارحين_ أنَّه لا يُسنُّ التَّحويل في نحو المسجد ولو صلى للاستسقاء استقلالاً لا سيَّما عبارة الكرمانيِّ فإنَّه قال: واعلمْ أنَّ عدمَ التَّحويل والاستقبال متَّفقٌ عليه إذا كان الاستسقاءُ في غير الصَّحراءِ، وإنَّما الخلاف فيها. انتهى، وفيه نظرٌ، فإنَّ الذي تدلُّ عليه التَّرجمة أنَّه لا يحوِّل رداءه في الاستسقاء يوم الجمعة؛ أي: إذا استسقَى في خطبةِ الجمعةِ تبعاً ولم يصلِّ للاستسقاء، وقولُ الكرمانيِّ: إنَّ ذلك متَّفقٌ عليه مشكلٌ، فإنَّ كلام أئمَّتنا في الفروع يقتضي التَّعميم في التَّحويل والاستقبال في الاستسقاء ولو في المسجد، ولعلَّ مراده _كبقيَّة الشَّارحين_ إذا اقتصر على الاستسقاءِ في خطبةِ الجمعة، فافهم، ثمَّ رأيتُ ابن رجبٍ حمل التَّرجمة على ما قلناه فإنَّه قال: قد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ الدُّعاءَ بالاستسقاء في خطبة الجمعة لا يُشرَع فيه شيءٌ ممَّا يخصُّ الدُّعاء في خطبة الاستسقاء، فلا تُغيَّرُ خطبة الجمعة عن هيئتها بذلك، وإنَّما يُشرَع تحويل الرداء واستقبال القبلة في الدُّعاء في خطبةِ الاستسقاءِ بخصوصها. انتهى.
          وهو تقرير حسنٌ، وأمَّا اعتراضُ العينيِّ على الكرمانيِّ بقوله: عدم التَّحويل كيف يكون متَّفقاً عليه وفيه خلاف أبي حنيفة؟ فإنَّه يحتجُّ بهذا الحديث على عدم سُنِّيَّة التحويل مطلقاً. انتهى، فغير واردٍ.