الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا

          ░3▒ (بَابُ سُؤَالِ النَّاسِ الإِمَامَ الِاسْتِسْقَاءَ): مفعولٌ ثانٍ لـ((سؤال)) المصدر المضاف إلى فاعله، و((الإمام)): مفعوله الأوَّل، لا منصوب بنزعِ الخافض كما اقتصرَ عليه القسطلانيُّ، وكما جعله العينيُّ، وشيخ الإسلام احتمالاً ثانياً، فإنَّ النَّصب بنزع الخافض لا ينقاس وإن كان سأل قد يتعدَّى إلى الثَّاني بعن فلا ينبغي ارتكابُه مع إمكان وجهٍ لا نزاع فيه، فتأمَّل.
          (إِذَا قَحَطُوا): الظَّرف متعلِّقٌ بـ((سؤال))، و((قحطوا)): مبنيٌّ للفاعل للأكثر، بفتح الحاء وقد تُكسَر، وللأصيليِّ وأبي ذرٍّ بالبناء للمفعول، وعلى بنائه للفاعل استشكلَه الكرمانيُّ بأنَّ المحبس هو المطر لا النَّاس، وأجاب بأنَّه من باب القلب، أو بأنَّه إذا كان محتبساً عنهم فهم محتبسُون عنه. انتهى.
          قال ابن بطَّالٍ: فيه أنَّ الخروج إلى الاستسقاء والاجتماع لا يكون إلَّا بإذن الإمام؛ لِما في الخروج والاجتماع من الآفاتِ الدَّاخلة على السُّلطان. انتهى، لكن قال فقهاؤنا: لو ترك الإمامُ الاستسقَاء فعله الناس، حتَّى الخروج للصَّحراء والخطبة، / كسائر السُّنن، نعم إن خافوا من ذلك فتنةً تركوهُ، وبه يُجمَع بين ما وقع للنَّوويِّ ممَّا ظاهره التَّنافي، قاله في ((التُّحفة)).
          قال ابن رشيدٍ: لو أدخل تحت هذه التَّرجمة حديث ابن مسعودٍ في الباب قبله لكانَ أوضحَ ممَّا ذكره، وقال في ((الفتح)): ويظهر أنَّه لمَّا كان من سأل قد يكون مسلماً وقد يكون مشركاً وقد يكون من الفريقين، وكان في حديث ابن مسعودٍ المذكور أنَّ الَّذي سأل كان مشركاً، ناسبَ أن يذكر في الَّذي بعده ما يدلُّ على أنَّه إذا كان الطَّلب من الفريقين، ولذلك ذكر لفظ التَّرجمة عامًّا لقوله: ((سؤال الناس)). انتهى، ومثله في العينيِّ.