نجاح القاري لصحيح البخاري

باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش

          ░23▒ (بابُ مَا نَدَّ) أي: نَفَرَ وشَرَدَ (مِنَ الْبَهَائِمِ) الإنسيَّة (فَهْوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْشِ) أي: في جَوازِ عَقْرِه كيف ما اتَّفق (وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ) أي: أجاز عقره عبدُ الله بن مسعود ☺، وجعل حُكْمَه كحكم الحيوان الوحش في العقر كيف ما كان. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود ☺ ما يؤدي هذا المعنى قال: حدَّثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة: «أنَّ حماراً لأهل عبد الله ضرب رجلٌ عنقَه بالسَّيف، فسئل عبد الله فقال: كلوه فإنَّما هو صيد».
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ (مَا أَعْجَزَكَ) ذبحه (مِنَ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدِكَ) ويروى: <مما في يَدَيْكَ> بالتَّثنية؛ أي: ما كان لك وفي تصرفك، فتوحش (فَهْوَ كَالصَّيْدِ) بأي شيء أصبته فهو ذكاته (وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى) أي: وقع وسقط (فِي بِئْرٍ: مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ) بكسر الهاء، وفي رواية أبي ذرٍّ: <فذكه من حيثُ قدرت> بالتَّقديم والتَّأخير، وإسقاط: <عليه>. وكذا في رواية ابن عساكر، لكن بإثبات لفظ: <عليه>.
          وهذان أثران معلَّقان وصل الأوَّلَ ابنُ أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بهذا، قال: فهو بمنزلة الصَّيد. ووصلَ الثَّاني عبدُ الرَّزاق عن عكرمة عنه قال: «إذا وقع البعيرُ في البئر فاطْعَنْه من قِبَلِ خاصرته، واذكر اسم الله وكلْ».
          (وَرَأَى ذَلِكَ) الحكم المذكور فيما يندُّ (عَلِيٌّ) أي: ابن أبي طالب ☺ (وَابْنُ عُمَرَ) ☻ (وَعَائِشَةُ) ♦ فأثر علي ☺ رواه أبو بكر، عن حفص، عن جعفر، عن أبيه: «أن ثوراً فرَّ في بعض دور المدينة، فضربه رجل بالسَّيف وذكر اسم الله، قال: فسُئل عنه علي ☺، فقال: ذَكَاةٌ، وأَمَرَهُمِ بِأَكْلِه».
          وأثر عبد الله بن عُمر ☻ أخرجه عبد الرَّزاق، عن شعبة وسفيان كلاهما، عن سعيد بن مسروق، عن عَبَاية بن رافع بن خديج، عنه، وأثر عائشة ♦ ذكره ابن حزم فقال: هو أيضاً قول عائشة ♦، وقال الحافظُ العسقلاني: لم أقف على أثر عائشة ♦ موصولاً، ولا يعرف لهم من الصَّحابة / مخالف، قال: وهو قول أبي حنيفة والثَّوري والشَّافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وأصحابهم. وقال مالك واللَّيث: لا يجوز أن يذكى الإنسي إذا توحش أصلاً، إلَّا في الحلق واللُّبة، وهو قول ربيعة، وقال ابن بطَّال: وقال سعيد بن المسيَّب: لا تكون ذكاةُ كلِّ إِنْسِي إلَّا بالذَّبح والنَّحْر، وإن شَرَدَ لا يَحِلُّ إلَّا بما يحل به الصَّيد.