نجاح القاري لصحيح البخاري

باب صيد القوس

          ░4▒ (باب) حكم (صَيْدِ الْقَوْسِ) أي: الصَّيد بالقوس، القوس يُذَكَّر ويُؤَنَّث فمن أنَّثه يقول في تصغيره: قُويسة، ومن ذكَّره يقول: قويس، ويُجْمَعُ على قسِي وأقواس وقياس، وكذا في «القاموس».
          وقال أبو عبيد منشداً:
ووتر الأساود القياسا
          والقوس أيضاً: بقية التَّمر في الخلة، والقوس: برج في السَّماء وتقول: قست الشَّيء بغيره وعلى غيره أَقِيْسُ قَيساً وقياساً فانقاس إذا قدرته على مثاله.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ) البصريُّ (وَإِبْرَاهِيمُ) النَّخَعي (إِذَا ضَرَبَ) أي: الرَّجل (صَيْداً، فَبَانَ) أي: فقُطِعَ (مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ، لاَ تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ) أي: قُطِعَ لأنَّه أُبِيْنَ من حيٍّ سواء ذبحه بعد الإبانة أم جرحه ثانياً أم تركَ ذَبْحَه بلا تقصير ومات بالجرح (وَتَأْكُلُ سَائِرَهُ) أي: باقيه إذا مات، وقيل: لا يستعمل السَّائر إلَّا بمعنى الجميع، وليس كذلك، بل اللُّغة الفصيحة أنَّه يستعمل بمعنى الباقي قلَّ الباقي أو كَثُر، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحمُّويي والمستملي: <وكل> على صيغة الأمر، قيل: لا وَجْهَ لإيراد الأثَرِ المذكور في هذا الباب.
          وقال العينيُّ: له وَجْهٌ لأنَّه يمكن ضَرْبُ صَيدٍ بِسَهْم قَوْس فأبان منه يدَه أو رجله، وأثر الحسن أخرجه ابن أبي شيبة، عن هشيم، عن يونس عنه في رَجْلٍ ضَرَبَ صيداً فأبان منه يَداً أو رِجْلاً، وهو حي ثمَّ مات تأكله ولا تأكل ما بان منه إلَّا أن تضربه فتقطعه فيموت من ساعته فإذا كان ذلك فليأكله.
          وفي «الأشراف» عن الحسن خلاف هذا قال في الصَّيد: ويُقْطَعُ منه عضوٌ، قال: تأكله / جميعاً ما بَانَ وما بَقِيَ.
          وأمَّا أثر إبراهيم فأخرجه ابن أبي شيبة أيضاً: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: إذا ضرب الرَّجل الصَّيدَ فبان عضوٌ منه ترك ما سقط وأَكل ما بَقِيَ، وإبراهيم لما روى هذا ولم يعترض عليه بشيء فكأنَّه رضيه.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) النَّخعي أيضاً (إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ) أي: عنق الصَّيد (أَوْ وَسَطَهُ) بفتح السين؛ لأنَّه اسمٌ لما بين طرفي الشَّيء كمركز الدَّائرة وبالسُّكون اسم مبهم لداخل الدَّائرة (فَكُلْهُ وَقَالَ الأَعْمَشُ) سليمان بن مهران (عَنْ زَيْدٍ) هو: ابنُ وهب (اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن مسعود ☺، وفي رواية أبي ذرٍّ: <على آل عبد الله> (حِمَارٌ) وحشي (فَأَمَرَهُمْ) عبد الله بن مسعود ☺ (أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ) وقال (دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ) وهذا التَّعليق وصله أبو بكر بن أبي شيبة، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: «سُئل ابن مسعود ☺ عن رَجُلٍ ضربَ رِجْلَ حِمَارٍ وحشيٍّ فقَطَعَها، فقال: دعوا ما سقط وزكُّوا ما بقي وكلوه»، وحكاهُ ابن أبي شيبة أيضاً عن علي بن أبي طالب ☺ من حديث الحارث عنه، وحكاه ابنُ المنذر عن ابن عبَّاس ☻ وقتادة وعطاء: «لا تأكل العضو وذك الصَّيد وكلْه».
          وقال عكرمة: إنْ عَدَا حياً بعد سقوط العضو منه فلا تأكل العضو وذك الصَّيد وكلْه وإن مات حين ضربه فكلْه كلَّه، وبه قال قتادة وأبو ثور والشَّافعي كذلك قال: إذا كان لا يعيش بعد ضربه ساعة أو مدَّة أكثر منها، وفي «التَّمهيد»: وعن مالك إنْ قُطِعَ عُضْوُه لم يُؤْكَل العضو وأُكِلَ الباقي.
          وقال الشَّافعي: إن قَطَعَ قِطعتين أَكَلَه وإن كانت إحداهما أقلَّ من الأخرى إذا مات من تلك الضَّربة، وقال أبو حنيفة والثَّوري: إذا قطع نصفين أُكِلَ جميعاً، وإن قَطَعَ الثُّلث / الذي ممَّا يلي الرَّأس أُكِلَا جميعاً، وإن قَطَعَ الثُّلث الذي يلي العجز أَكَلَ الثُّلثين ممَّا يلي الرَّأس، ولا يَأْكُلُ الثُّلث الذي يلي العجز.