نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره وإثم من لم يف

          ░12▒ (باب) جواز (الْمُوَادَعَةِ) وهي المسالمة على ترك الحرب والأذى، وحقيقة / الموادعة: المتاركة؛ أي: يدع كلَّ واحدٍ من الفريقين ما هو فيه (وَالْمُصَالَحَةِ) في محلِّ عطف التفسير (مَعَ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ) أي: وغير المال كالأسارى (وَإِثْمِ مَنْ لَمْ يَفِ بِالْعَهْدِ) ويروى: <من لم يوف>.
          (وَقَوْلِهِ تعالى) بالجرِّ عطفٌ على قوله: <الموادعة> ({وَإِنْ جَنَحُوا} [الأنفال:61]) يقال: جنح له وإليه، إذا مال ({لِلسِّلْمِ}) بكسر السين، الصلح وتؤنث تأنيث نقيضها، وهي الحرب.
          قال:
السَّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيَتَ بِه                     وَالحَرْبُ تَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ
          وقرأ أبو بكر: بفتح السين.
          ({فَاجْنَحْ لَهَا}) أي: مل إليها، واقبل منهم ذلك، وعاهد معهم (الآيَةَ) أي: اقرأ الآية، وهي قوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} ولا تخف من إبطانهم المكر والخديعة في جنوحهم إلى السلم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ} لأقوالهم {العَلِيْمُ} [الأنفال:61] بنيَّاتها، فيكفيك ويعصمك من مكرهم وخديعتهم ويحيقه بهم.
          قال مجاهد: نزلت في بني قريظة، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ السياق كلَّه في وقعة بدر، وذكرها مُكتَنِفٌ لهذا، وعن ابن عباس ☻ ، ومجاهد، وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني وعكرمة والحسن وقتادة: أنَّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة:5].
          وقال ابن كثير في «تفسيره»: فيه نظرٌ؛ لأنَّ آية براءة الأمر بقتالهم إذا أمكن ذلك، فأمَّا إذا كان العدوُّ كثيفاً فإنَّه يجوز مهادنتهم، كما دلَّت عليه هذه الآية الكريمة، وكما فعل النَّبي صلعم يوم الحديبية، فلا منافاة ولا نسخ ولا تخصيص.
          وقال الزمخشريُّ: والصَّحيح: أنَّ الأمر موقوفٌ على ما يرى الإمام فيه صلاح الإسلام وأهله من حربٍ أو سلمٍ، وليس بحتمٍ أن يقاتلوا أبداً أو يجابوا إلى الهدنة أبداً.
          ({جَنَحُوا}: طَلَبُوا) هذا التَّفسير من المصنف، وقال غيره: معنى {جَنَحُوا} [الأنفال:61]: مالوا، كما سبق.
          وقال أبو عبيدة: السِّلم والسَّلم واحد، وهو الصُّلح. وقال أبو عمرو: السَّلم؛ أي: بالفتح: الصُّلح، والسِّلم؛ أي: بالكسر: الإسلام.