نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم

          2369- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المعروف: بالمُسنَديِّ، وقد سبق آنفاً [خ¦2368]، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو: ابنُ عيينة (عَنْ عَمْرٍو) هو: ابنُ دينار (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان (السَّمَّانِ) الزَّيَّات (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: ثَلاَثَةٌ) أي: ثلاثة أشخاصٍ (لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) بكلامٍ يسرُّهم (وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) نظر رحمةٍ (رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِىَ) على البناء للمفعول، ويُروَى على صيغة المعلوم؛ أي: أكثر ممَّا أعطى فلان الذي يستامه.
          (وَهْوَ كَاذِبٌ) جملة حالية (وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ) أي: ليأخذ قطعةً (بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ) ويُروَى: <فضلَ مائه> (فَيَقُولُ اللَّهُ) ╡ (الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ) مجازاةً لِمـَا فعلت.
          وقال الخَطَّابيُّ: أي: أنَّك إذا كنت تمنعُ فضل الماء الذي ليس بعملك، وإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليك فما الَّذي تسمح لأخيك.
          وقيل: قوله: «اليوم أمنعك...» إلخ إشارةٌ إلى قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} [الواقعة:69].
          وحكى ابن التِّين عن أبي عبد الملك أنَّه قال: هذا يخفى معناه، ولعلَّه يريد أنَّ البئر ليست من حفره، وإنَّما هو في منعه غاصبٌ ظالمٌ، وهذا لا يردُ فيما حازه وعمله، يعني: فيه إشارةٌ إلى جواز منع ماء القنوات والآبار التي يستنبطها الشَّخص له.
          ويُحتَمل أن يكون هو حفرها ومنعها من صاحب الشفة؛ أي: العطشان ويكون معنى / «ما لم تعمل يداك» أي: لم تنبع الماء ولا أخرجته، قال: وهذا _أي: الآخر_ ليس من الباب في شيءٍ.
          وقال العينيُّ: وتقييدُ هذا بالبئر لا معنًى له؛ لأنَّ قوله: ورجلٌ منع فضل ماء أعمُّ من أن يكون ذلك الفضل في البئر، أو في الحوض، أو في القربة، والله أعلم.
          والحديثُ قد مضى في باب «إثم مَنْ منع ابن السبيل من الماء» [خ¦2358]، لكن ثالث الثَّلاثة فيه الرَّجل المبايع للإمام، ولا منافاة بينهما إذ لم يُحصَر هذا الوعيد على هذه الثَّلاثة، ولا على تلك الثلاثة فإنَّ التَّنصيص على العدد لا ينفي الزيادة.
          ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إن المعاقبة وقعت على منعه الفضل فدلَّ على أنَّه أحق بالأصل، وتُؤخَذ أيضاً من قوله: ما لم تعمل يداك، فإنَّ مفهومه أنَّه لو عالجه لكان أحقَّ به من غيره.
          (قَالَ عَلِيٌّ) هو: ابنُ عبد الله المعروف بابن المديني (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي: ابنُ عُيَينة (غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو) هو: ابنُ دينار أنَّه (سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ) ذكوان (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلعم ) أي: يرفع الحديث إلى النَّبي صلعم ، وأشار بهذا إلى أنَّ سفيان كان يرسل هذا الحديث كثيراً، ولكنه صحَّح الموصول لكون الذي وصله من الحفَّاظ، وقد تابعه سعيد بن عبد الرَّحمن المخزومي، وعبد الرحمن بن يونس، ومحمد بن أبي الوزير، ومحمد بن يوسف، فوصلوه، قاله الإسماعيليُّ قال: وأرسله غيرهم.
          وقال الحافظُ العَسْقَلانيُّ: قد وصله أيضاً عمرو الناقد أخرجه مسلم عنه، عن سفيان، عن عمرو، عن أبي صالح، عن أبي هريرة ☺ قال: أُرَاهُ مرفوعاً. ووصله صفوان بن صالح أيضاً، أخرجه ابن حِبَّان من طريقه والله أعلم.