نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: والذي نفسي بيده لأذودن رجالًا عن حوضي كما تذاد الغريبة

          2367- (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّار) قال: (حَدَّثَنَا غُنْدر) بضم الغين وسكون النون وفتح الدال وضمها، هو: لقبُ محمد بن جعفر البصري ربيب شعبة، وقد مرَّ غير مرَّة [خ¦87] قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابن الحجَّاج (عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ) بكسر الزاي وتخفيف المثناة التحتية، القرشيِّ الجُمَحيِّ أبو الحارث المدني، وقد مرَّ في باب «غسل الأعقاب» [خ¦165]، ولا يشتبه عليك بمحمد بن زياد الألهاني وإن كان كلٌّ منهما تابعيًّا، أنه قال: (سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: وَالَّذِيْ نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَذُودَنَّ) أي: لأطردنَّ من ذاد يَذُود ذَوْداً؛ أي: دفعه وطَرَده (رِجَالاً) ويُروَى: <فليذادنَّ رجال> وفي «المطالع»: كذا رواه أكثر الرُّواة عن مالك في «الموطأ»، ورواه يَحيَى ومُطرِّف وابن نافع: ((فلا يذادنَّ رجال))، ورواه ابن وضَّاح على الرواية الأولى، وكلاهما صحيح المعنى لكنَّ الثَّانية أفصح وأعرف. ومعناه: فلا يفعلوا فعلاً يوجب ذلك كما قال صلعم : ((لا أَلْفينَّ أحدكم على رَقبته بعيرٌ))؛ أي: لا تفعلوا ما يوجب ذلك.
          (عَنْ حَوْضِي كَمَا تُذَادُ) أي: تُطرَد (الغَرِيْبَةُ مِنَ الإِبِلِ عَنِ الحَوْضَ) إذا أرادت الشُّرب مع إبل الرَّجل، وعادة الرَّاعي إذا ساق الإبل إلى الحوضِ لتشرب يطرد النَّاقة الغريبة إذا رآها بينها، واختلف في هؤلاء الرِّجال، فقيل: هم المنافقون حكاه ابن التِّين.
          وقال ابنُ الجوزي: هم المبتدعون وكلُّ مَنْ أحدث في الدِّين بدعة سيِّئة كالظُّلمة والمعلنين بالكبائر، وقيل: أصحاب الكبائر، وذكر قبيصة في «صحيح البخاري» أنَّهم هم المرتدُّون الذين بدَّلوا دينهم.
          قال ابن بطَّال: فإن قيل: كيف يأتون غرًّا والمنافق والمرتدُّ لا غرَّة له.
          فالجواب: أنَّ النَّبي صلعم قال: ((تأتي كلُّ أمَّةٍ فيها منافِقُوها)) وقد قال تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آَمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] فصحَّ أنَّ المؤمنين يُحشَرون وفيهم / المنافقون الَّذين كانوا معهم في الدُّنيا حتَّى يضربَ بينهم بسور، والمنافق لا غرَّة له ولا تحجيلَ، لكنَّ المؤمنون سمُّوا غرًّا بالجملة وإن كان المنافق في خلالهم.
          وقال ابنُ الجوزي: فإن قيل: كيف خفي حالهم على سيِّدنا رسول الله صلعم وقد قال: ((تعرضُ عليَّ أَعمال أُمَّتي))، فالجواب: أنَّه إنما تعرض عليه أعمال الموحِّدين لا المنافقين والكافرين.
          ومطابقة الحديث في قوله: «عن حوضي...» إلخ فإنَّه يدلُّ على أنَّه أحقُّ بحوضه وبما فيه، وأنَّ صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه، ولم ينكر ذلك والترجمة أنَّ صاحب الحوض أحقُّ به.
          وقد خفي على المهلب ذلك فقال: إنَّ المناسبة من جهة إضافة الحوض إلى النَّبي صلعم وكان أحقَّ به، وتعقَّبه ابن المُنَيَّر: بأنَّ أحكام التَّكاليف لا تنزل على وقائع الآخرة، وإنَّما استدلَّ بقوله: «كما تذاد الغريبةُ من الإبل» فما جاز لصاحب الحوض من طردِ إبل غيره عن حوضه إلَّا وهو أحقُّ به، فافهم.