نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: يا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ

          2366- (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) أي: ابنُ سعيد، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سَلَمة بن دينار (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ☺) أنَّه (قَالَ: أُتِيَ) على البناء للمفعول (رَسُولُ اللَّهِ صلعم بِقَدَحٍ) فيه لبنٌ مشوب بالماء كما في روايةٍ (فَشَرِبَ) منه (وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ) هو: عبدُ الله بن عبَّاس ☻ (وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ) صلعم : (يَا غُلاَمُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَشْيَاخَ) أي: شُورًى (1)، قبلك (فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَداً يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ) والحديث قد مضى قبل هذه الترجمة بثمانية أبواب [خ¦2351]، وقد مرَّ الكلام فيه هناك.
          قال المُهلَّب: لا مطابقة هنا بين الحديث والترجمة، فإنَّه ليس في الحديث إلَّا أنَّ الأيمن أحقُّ بالقدح من غيره، وأجاب ابن المُنَيِّر: بأنَّ مراد البخاري أنَّ الأيمن إذا استحقَّ ما في القدح بمجرَّد جلوسه واختصَّ به، فلَأَن يختصَّ صاحب اليد والمتسبب في تحصيلهِ أولى.
          وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّ الفرق ظاهرٌ بين الاستحقاقين، فإنَّ استحقاق الأيمن استحقاق صاحب اليد، وهذا ظاهرٌ، انتهى.
          وأنت خبيرٌ بسقوط هذا الكلام جدًّا في هذا المقام، فإنَّ صاحب الاستحقاق الضَّعيف إذا كان أحقَّ به فلأن يكون صاحب الاستحقاق القوي أحقَّ به أولى. كما قال المجيبُ، وهذا هو الظَّاهر، وأمَّا ما قاله فليس بواردٍ هنا كما لا يخفى.
          ويمكن أن يُقالَ إنَّ فيه إلحاقاً للحوض والقربة بالقدح، فإذا كان صاحب القدح أحق بالتصرف فيه شرباً وسقياً، فصاحب الحوض والقربة كذلك على ما قاله الحافظُ العَسْقَلانيُّ، وإن تعقَّبه العَينيُّ وأطال فيه بما لا طائل تحته، فلذا رأينا تركه أولى، والله أعلم.
          ويقرب ممَّا قاله الحافظُ العَسْقَلانيُّ ما قاله الِكَرْماني: من أنَّ وجه تعلُّق الحديث بالترجمة قياس ما في القربة والحوض على ما في القدح، وإن تعلَّق به العَينيُّ بأنَّه قياسٌ مع الفارق فإنَّ الاستحقاق في أحدهما: لازمٌ، وفي الآخرِ: غير لازمٍ.
          فلا مطابقة هنا بين الحديث / والترجمة إلَّا بالجر الثقيل، بأن يقال: صاحب الحوض مثل صاحب القدح في مجرَّد الاستحقاق مع قطع النَّظر عن اللزوم وعدمه، انتهى فافهم.


[1] (أي شورًى) قصد بها المشاورة؛ أي هذا السؤال الذي سأله لابن عباس من باب الشورى، والله أعلم بالصواب.