نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل

          ░17▒ (بابُ) حكم (الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ) أي: حقُّ المرور (أَوْ) يكون له (شِرْبٌ) أي: حقُّ شِربٍ وهو بكسر الشين، / النَّصيب من الماء (فِي حَائِطٍ) يتعلق بقوله: ممر، والحائط هو البستان (أَوْ فِي نَخْلٍ) يتعلق بقوله: شِرْبٌ، وذلك بطريق اللفِّ والنشر، وحكم هذا يُعلَم من أحاديث الباب، فإنَّه أورد فيه خمسة أحاديث.
          وقال ابن المُنَيِّر: وجهُ دخول هذه الترجمة في الفقه التَّنبيه على إمكان اجتماع الحقوق في العين الواحدة، هذا له الملك، وهذا له الانتفاع مثلاً لرجل ثمرة في حائطِ رجلٍ فله حقُّ الدُّخول فيه لأخذِ ثمرته، أو لرجلٍ أرضٌ ولآخر فيها حقُّ الشرب فله أخذ الشِّرب منها بالدُّخول فيها.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَنْ بَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ) قد مضى هذا الحديث موصولاً في كتاب «البيوع»، في باب «مَنْ باع نخلاً قد أُبِّرُتْ» [خ¦2204]، من طريق مالك عن نافع، عن ابن عمر ☻ . ووصله بمعناه في هذا الباب.
          ومطابقته للترجمة تُؤخَذ من قوله: ((فثمرتها للبائع))؛ لأنَّ الثمرة التي بِيعَت بعد التَّأبير لمَّا كانت للبائع لم يكن له وصولٌ إليها إلَّا بالدُّخول في الحائط، فإذا كان كذلك يكون له حق المرور، ومعنى التَّأبير الإصلاح والإلقاح. وقد مضى في الباب المذكور مستوفىً.
          (فَلِلْبَائِعِ) والفاء في قوله: فللبائع، تفسيريَّة، ويُروَى: <وللبائع> بالواو (الْمَمَرُّ) أي: حقُّ المرور لأخذ الثَّمرة (وَالسَّقْيُ) أي: وسقي النَّخيل؛ لأنَّه ملكه (حَتَّى تُرْفَعَ) كلمة حتى للغاية إلى أن ترفع الثَّمرة؛ أي: تقطع، وكلمة: تُرفَع، على البناء للمفعول، ويجوز أن تكون على البناء للفاعل على معنى يرفع البائع ثمرته، وذلك لأنَّ الشارع لَمـَّا جعل الثَّمرة بعد التَّأبير للبائع كان له حقُّ الاستطراق والدخول في الحائط لسقيها واقتطافِهَا (1) حتى يقطعَ الثمرة، وليس لمشتري أصول النَّخل أن يمنعَه من الدُّخول والتطرُّق إليها.
          (وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ) أي: كالحكم المذكور حكم / صاحب العريَّة، وهي النَّخلة التي تُعرَى؛ أي: يعطي صاحبها ثمرتها لرجلٍ محتاجٍ عامها ذلك، وقد مرَّ تفسيرها في كتاب «البيوع».
          وقال الِكَرْمانيُّ: ربُّ العرية صاحب النَّخلة الذي باع ثمرتها له الممرُّ والسقي، ويُحتَمل أن يراد صاحب ثمرتها، وتعقَّبه العينيُّ بأنَّه إذا باع لا يُسمَّى عرية، وإنَّما العرية هي الموهوبةُ ثمرتها، وعكس الكرمانيُّ فجعل الشَّيء المقصود محتملاً والَّذي هو محتملٌ جعله أصلاً، فافهم.
          والحاصل: أنَّ صاحب العرية أيضاً لا يُمنَع من الدخول في حائط المُعرَى لتعهد عريته بالإصلاح والسَّقي، ولا خلاف في هذا بين الفقهاء.
          وقال ابن المُنَيِّر: وعندنا خلاف فيمَنْ يسقي العرية هل هو على الواهب، أو الموهوب له، وكذلك سقي الثمرة المستثناة في البيع، قيل: على البائع، وقيل: على المشتري.
          هذا وأمَّا مَنْ له طريق مملوكة في أرض غيره فقال مالك: ليس له أن يُدِخلَ في طريقه ماشيته؛ لأنَّها تفسد زرعَ صاحبه. وقال الكوفيُّون والشافعيُّ: ليس لصاحب الأرضِ أن يزرعَ في موضع الطَّريق، والله تعالى أعلم.
          قال الحافظُ العَسْقَلانيُّ: وهذا كلُّه _يعني قوله: فللبائع... إلى آخره_ من كلام المصنِّف استنبطه من الأحاديث المذكورة في الباب، وتوهَّم بعض الشرَّاح أنَّه بقيَّة الحديث المرفوع فوهم في ذلك وهماً فاحشاً.


[1] كذا وفي العمدة وتعهدها