إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق

          6091- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ (مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) العنزيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بن سعيدٍ القطَّان (عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (أَبِي) عروة بن الزُّبير (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ) هند (عَنْ) أمِّها (أُمِّ سَلَمَةَ) زوج النَّبيِّ صلعم (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ) بضم السين وفتح اللام، الرُّميصَاء _بالصاد المهملة_، مصغَّرًا، وهي أمُّ أنسٍ وزوج أبي طلحة الأنصاريِّ (قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ) بسكون الحاء، بوزن: يستفعل، وماضيه استحيا، ولم يستعملْ مجرَّدًا عن السين والتاء. وقال الزَّمخشريُّ: يقال: منه حيي، فعلى هذا يكون استفعلَ فيه موافقًا للفعل المجرَّد، وقد جاء استفعلَ لاثني عشر معنًى: للطَّلب نحو: نستعينُ، وللإيجاد كاستبعده، وللتَّحويل كاستأنسَ. والجمهور في يستحْيِي بياءين، وعليه أكثرُ القرَّاء، وقرأ ابن مُحيصن بياءٍ واحدةٍ من استحى يستحِي فهو مستحٍ(1)، مثل: استَقَى يستقِي، وهي: لغةُ تميمٍ وبكرِ بنِ وائلٍ، أصله: يستحيي بياءين(2) نقلتْ حركة الأولى إلى الحاءِ فسكنتْ، ثمَّ استثقلتِ الضَّمة على الثَّانية فسكنتْ، فحذفتْ إحداهما للالتقاءِ، والجمع: مُستحون ومُسْتحين، قاله الجوهريُّ. ونقلَ بعضُهم أنَّ المحذوفَ هنا مختلفٌ فيه، فقيل: عينُ الكلمةِ، فوزنه يستفلُّ، وقيل: لامها فوزنهُ يستفع، ثمَّ نقلت حركة اللَّام على القول الأوَّل، وحركةُ العينِ على القول الثَّاني إلى الفاء وهي الحاء، ومن الحذف قوله:
أَلَا يَسْتَحِي مِنَّا المَلِيْكُ وَيَتَّقِي                     مَحَارِمَنَا لَا يَبُوْءُ(3) الدَّمُ بِالدَّمِ
والمعنى إنَّ الله لا يمتنع من أجل بيان الحقِّ، أي: وأنا أيضًا لا أمتنعُ من السُّؤال عمَّا أنا محتاجةٌ إليه ممَّا يستحي(4) النِّساء في العادة من(5) السُّؤال عنه، وذكره بحضرة الرِّجال والمستحِي يمتنعُ من فعل ما استحيا منه، فالامتناعُ من لوازم الحياءِ، فيطلقُ الحياء على الامتناعِ إطلاقًا لاسم الملزومُ على اللَّازم، والحياءُ هو خجلُ النَّفس وأصله الانقباض عن الشَّيء والامتناعُ منه خوفًا من مواقعةِ القبيح، ولا ريب أنَّ هذا محالٌ على الله تعالى (هَلْ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فهَل“ (عَلَى المَرْأَةِ غَسْلٌ) بفتح الغين المعجمة، مصدر غَسل يَغْسل، وبالضَّم الاغتسال، فيقرأُ بالوجهين في كلِّ موضعٍ يقال فيه: وجبَ أو يستحبُّ، أو من سنَّة الغسلِ، والفتحُ أشهر، لكن قال النَّوويُّ‼: سألت ابن مالكَ فقال: إذا أريد الاغتسال فالمختار ضمُّه، ويجوز فتحه على إرادةِ أنَّه يغسل يديه غسلًا، وقد يطلق الغُسلُ _بالضمِّ_ على الماء، كما في حديث قيس بن سعدٍ: أتانا رسولُ الله صلعم فوضعنَا له غُسلًا. فإنَّه بالضَّم بإجماعِ أهل الحديثِ والفقه وغيرهم، لا بالكسرِ، كما وقع لابنِ باطيش في «كتاب ألفاظ التهذيب» وهو غلطٌ كما نبَّه عليه النَّوويُّ لأنَّ الغِسْل _بالكسر_ ما يُغسل به الرَّأس من خِطْميٍّ وسدرٍ ونحوهما، و«على المرأة» يتعلَّق بغسل، أي: فهل غسل على المرأة (إِذَا احْتَلَمَتْ؟) وفي «باب الغسل» [خ¦282] إذا هي احتلمَت (قَالَ) صلعم : (نَعَمْ) إذا احتلمتْ فعليها الغسلُ، والاحتلامُ افتعالٌ من الحُلْم _بضم الحاء وسكون اللام_ وهو ما يراه النَّائم في نومهِ (إِذَا رَأَتِ المَاءَ) أي: المني بعد استيقاظهَا من النَّوم (فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ) وهذا موضعُ التَّرجمة إذ وقعَ ذلك بحضرتهِ صلعم ولم ينكرهُ (فَقَالَتْ: أَتَحْتَلِمُ المَرْأَةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ / صلعم : فَبِمَ شَبَهُ الوَلَدِ) بفتح المعجمة والموحدة مضافًا لتاليهِ، أي: فبأيِّ شيءٍ وصل شبهُ الولدِ بالأمِّ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فبم يشبَّه الولد“.
          والحديثُ سبقَ في «باب إذا احتلمت المرأةُ» في «أبواب الغسل» من «الطَّهارة» [خ¦282].


[1] في (د): «مستحى».
[2] قوله: «أصله يستحيي بياءين»: ليس في (د).
[3] في (س): «يتقي»، وفي (د): «يستقي».
[4] في (د): «تستحيي».
[5] في (ع) و(ص) و(د): «عن».