إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها...}

          ░37▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً}) وهي الَّتي رُوعي بها حقُّ المسلم، ودُفِع بها عنه شرٌّ(1)، أو جُلِب إليه خيرٌ، وابتغى بها وجه الله، ولم يُؤخذ عليها رشوةٌ، وكانت في أمرٍ جائزٍ لا في حدٍّ من حدودِ الله، ولا في حقٍّ من الحقوقِ ({يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا }) من ثوابِ الشَّفاعة ({وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً}) هي خلاف الشَّفاعة الحسنةِ ({يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا }) نصيبٌ. قال في «اللُّباب»: الظَّاهر أنُّ مِن في قولهِ هنا: {مِّنْهَا}، سببيَّة، أي: كِفْل بسببها ونصيبٌ بسببها، ويجوزُ أن تكون ابتدائيَّة ({وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا}[النساء:85]) مقتدرًا، من أقات(2) على الشَّيء، اقتدرَ عليه، أو حفيظًا من القوت؛ لأنَّه يمسك النَّفس ويحفظها، وسقط قوله: «{وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً}...» إلى آخره لأبي ذرٍّ.
          ({كِفْلٌ}) أي (نَصِيبٌ) قاله أبو عُبيدة، زاد غيره: إلَّا أنَّ استعماله في الشَّرِّ أكثر عكس النَّصيب، وإن كان قد استعمل الكفل في الخير (قَالَ أَبُو مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريُّ، ممَّا وصلهُ ابن أبي حاتمٍ: (كِفْلَيْنِ) من قولهِ تعالى: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ}[الحديد:28] أي (أَجْرَيْنِ بـ)ـاللُّغة (الحَبَشِيَّةِ) الموافقة للعربيَّة، وأراد البخاريُّ أنَّ الكِفْل يطلق على النَّصيب وعلى الأجر. قال ابنُ عادل: ولغلبةِ استعمال الكفلِ في الشَّرِّ، واستعمال النَّصيب في الأجرِ غايرَ بينهما في هذه الآيةِ الكريمةِ؛ إذ أتى بالكِفْل مع السَّيِّئة والنَّصيب مع الحسنة.


[1] في (د): «ودفع عنه بها شرًا».
[2] في (ب): «أفات».