إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أتى رجل النبي فقال: هلكت

          6087- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) بن إسماعيل التَّبُوذَكيُّ _بفتح الفوقية وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة_ قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ) بنُ سعد بنِ إبراهيم بنِ عبد الرَّحمن بنِ عوفٍ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريُّ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ‼ ☺ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ) أعرابيٌّ (النَّبيَّ صلعم فَقَالَ: هَلَكْتُ) أي: فعلتُ ما هو سببٌ لهلاكي، وذلك أنِّي (وَقَعْتُ عَلَى أَهْلِي) أي: وطئتُ امرأتي (فِي رَمَضَانَ) وأنا صائمٌ (قَالَ) صلعم : (أَعْتِقْ) بفتح الهمزة وكسر الفوقية (رَقَبَةً. قَالَ: لَيْسَ لِي) ما أعتقُ به رقبةً (قَالَ) له صلعم : (فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) ظرف زمانٍ، مفعول على السِّعة بتقديرِ زمن شهرين، ومتتابعين صفتهُ (قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ) ذلك (قَالَ) ╕ : (فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا. قَالَ: لَا أَجِدُ) ما أطعمهم (فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلعم (1)) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (بِعَرَقٍ) بفتح العين المهملة والراء، وتسكَّن (فِيهِ تَمْرٌ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ) بن سعد _بالسَّند السَّابق_: (العَرَقُ) هو (المِكْتَلُ) بكسر الميم / وسكون الكاف وفتح الفوقية، من الخُوص وهو يجمعُ(2) خمسة عشر صاعًا، وأخذ من ذلك أنَّ إطعام كلِّ مسكينٍ مدٌّ؛ لأنَّ الصَّاع أربعةُ أمدادٍ، وقد أمرَ بصرف هذه الخمسة عشر صاعًا إلى ستِّين، وقسمة خمسة عشر على ستِّين كلُّ واحدٍ ربع صاعٍ وهو مدٌّ (فَقَالَ) صلعم : (أَيْنَ السَّائِلُ؟) قال: أنا. قال: (تَصَدَّقْ بِهَا) أي: الصِّيعان(3)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”بهذا“ أي: التَّمر على المساكين. (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي) متعلِّقٌ بفعلٍ محذوفٍ يدلُّ عليه الكلام، أي: أتصدَّقُ به على أفقر منِّي، أي: على أحدٍ أفقرَ منِّي، فهو قائمٌ مقامَ موصوفهِ، وحذف همزةِ الاستفهام كثيرٌ، والفعل لدَلالة «تصدَّق بها» عليه (وَاللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”فوالله“ (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) تثنية: لابةٍ، بتخفيف الموحدة من غير همزةٍ، يريد: الحرَّتين، وهما أرضٌ ذات حجارةٍ سود، وللمدينةِ حرَّتان هي بينهما (أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنَّا) «أهل بيتٍ» مبتدأ، والخبرُ في «بين»(4)، والعاملُ [فيها](5) و«أفقرُ» صفة للمبتدأ، أو خبر مبتدأ محذوفٍ؛ أي(6): هم أفقرُ أهلِ بيتٍ هذا على أنَّ «ما» تميميَّةٌ، وإن جعلتَهَا حجازيَّة، فأهل بيتٍ اسمها، وأفقرَ خبرُها، والظَّرف متعلِّقٌ بالخبرِ وهو أفعلُ، وذلك جائزٌ في أفعل، نحو قولك: زيدٌ عندكَ(7) أفضلُ من عَمرو، ولا يبطلُ عملُ ما بالفصلِ بمعمولِ(8) الخبرِ نحو قولك: ما عندِي زيدٌ قائمًا، قاله ابنُ مالكِ وغيره، كما في «العدة» لابن فرحون (فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلعم ) تعجبًا(9) من حالِ الرَّجل؛ لكونه جاء أوَّلًا هالكًا، ثمَّ انتقلَ لطلب الطَّعام لنفسهِ وعيالهِ، أو من رحمةِ الله به وسعتهِ عليه، والضَّحِك غير التَّبسُّم. وأمَّا قوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا}[النمل:19] فقال في «الكشاف»: فتبسَّم شارعًا في الضَّحك. وقال أبو البقاء: {ضَاحِكًا} حالٌ مؤكِّدة. وقال صاحب «الكشف»: هي(10) حالٌ مقدَّرة، أي: فتبسَّم مقدرًا الضَّحك، ولا يكون محمولًا على الحال المطلق؛ لأنَّ التَّبسُّم غير الضَّحك فإنَّه ابتداء الضَّحك، وإنَّما يصير التَّبسُّم ضحكًا إذا‼ اتَّصل ودام فلا بدَّ فيه من هذا التَّقدير، وأكثرُ ضحِكِ الأنبياء التَّبسُّم، وسقط لأبي ذرٍّ قوله: «النَّبيُّ...» إلى آخره(11) (حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) بالجيم والذال المعجمة، وهي من الأسنان الضَّواحك، وهي الَّتي تبدو عند الضَّحك، والأكثرُ(12) الأشهر أنَّها أقصى الأسنان، والمراد الأوَّل؛ لأنَّه ما كان يبلغ به الضَّحك حتى يبدوَ آخر أضراسهِ، ولو أريد الثَّاني لكان مبالغةً في الضَّحك من غير أن يرادَ ظهور نواجذِهِ في الضَّحك، وهو أقيسُ لاشتهارِ النَّواجذ بأواخرِ الأسنان، وإليه الإشارةُ بقول الزَّمخشريِّ، والغرضُ المبالغة في وصفِ ما وُجِدَ من الضَّحك النَّبويِّ، قاله الطِّيبيُّ (قَالَ) صلعم للرَّجل: (فَأَنْتُمْ إِذًا(13)) جواب وجزاء، أي: إن لم يكن أفقر منكُم فكلُوا أنتم حينئذٍ، وهذا على سبيلِ الإنفاقِ على العيالِ؛ إذ الكفَّارة إنَّما هي على سبيلِ التَّراخي، أو هو على سبيلِ التَّكفير فهو خصوصيَّةٌ له.
          والحديثُ سبقَ في «باب المجامع في رمضان» من «كتاب الصَّوم» [خ¦1937].


[1] في (د): «قال: فأتي رسول الله صلعم ».
[2] في (ب) و(ص): «مجمع».
[3] في (ع): «بالصيعان».
[4] في الأصول: «والعامل في كذا».
[5] في (ع): «الفاعل»، «والعامل في»: ليست في (د).
[6] في (د): «أو».
[7] قوله: «عندك»: ليس في (ص).
[8] في (ع): «لمعمول».
[9] في (د): «متعجبًا»، وفي (ع): «معجبًا».
[10] في (د): «هو».
[11] قوله: «وسقط لأبي ذرٍّ قوله النَّبيُّ... » إلى آخره: ليس في (ص).
[12] قوله: «الأكثر»: ليس في (د).
[13] في (د): «فإذا فأنتم».