إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر

          ░57▒ (بابُ مَا يُنْهَى عَنِ التَّحَاسُدِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”من التَّحاسد المذموم“ وهو تمنِّي زوال النِّعمة عن المحسود، وتكون للحاسد دونهُ (وَ) عن (التَّدَابُرِ) بضم الموحدة بأن يُدْبِر كلُّ واحدٍ عن صاحبهِ بأن يُعطيه دُبُرهُ وقفاهُ، فيَعْرضُ عنه ويَهْجُرهُ (وَقَوْلِهِ تَعَالَى) ولأبي ذرٍّ(1): ”وقولِ اللهِ تعالى“: ({وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}[الفلق:5]) أي: إذا أظهرَ حسدهُ وعمل بمقتضاه؛ لأنَّه إذا لم يظهرْ فلا ضرر(2) يعودُ منه على من حسدَه، بل هو الضَّارُّ لنفسهِ لاغتمامهِ بسرورِ غيره وهو الأسفُ على الخيرِ عند الغيرِ، و(3)الاستعاذةُ من هذه مع سابقها بعد الاستعاذة من شرِّ ما خلقَ إشعارٌ بأنَّ شرَّ هؤلاء أشدُّ، وختمَ بالحسدِ ليُعلم أنَّه شرُّها، وهو أوَّل ذنبٍ عُصِيَ الله به في السَّماء من إبليس، وفي الأرضِ من قَابيل، وأقوى أسباب الحسدِ العداوة، ومنها خوفه من تكبُّر غيره عليه بنعمةٍ، فيتمنَّى زوالها عنه ليقعَ التَّساوي بينه وبينهُ، ومنها حبُّ الرِّياسة، فمتى تفرَّد بفنٍّ وأحبَّ الرِّياسة صارتْ حالتُه إذا سمعَ في أقصى العالمِ بنظيرهِ أحبَّ موتَه أو زوالَ تلك النِّعمة عنه، وآفاته كثيرةٌ، وربَّما حسدَ عالمًا فأحبَّ خطأهُ في دينِ الله وانكشافهِ أو بُطلانَ علمهِ بخرسٍ أو مرضٍ / ، فليتأمَّل ما فيهِ من مشاركةِ أعداءِ الله بسخطِ قضائهِ وكراهةِ ما قسمَهُ لعبادهِ ومحبَّة زوالها عن أخيهِ المؤمن ونزولِ البلاءِ به، قال بعضُهم: الحاسدُ جاحدٌ؛ لأنَّه لا يرضَى بقضاءِ الواحدِ(4)، فالعجب(5) من عاقلٍ يُسْخِطُ ربَّه بحسدٍ يضرُّه في دينهِ ودُنياه بلا فائدةٍ، بل ربَّما يريدُ الحاسدُ زوالَ نعمةِ المحسودِ فتزولُ عن الحاسدِ، فيزدادَ المحسودُ نعمةً إلى نعمتهِ، والحاسدُ شقاوةً على شقاوتهِ، نسألُ الله العفوَ والعافية.


[1] في (ص) زيادة: «عن الكُشميهنيِّ».
[2] في (د): «تضرر».
[3] قوله: «و»: ليس في (ص) و(ع).
[4] قوله: «قال بعضهم الحاسد جاحد؛ لأنَّه لا يرضى بقضاء الواحد»: ليس في (د).
[5] في (د): «والعجب».