إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين

          ░83▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين يذكرُ فيه (لَا يُلْدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ) بن أبي سفيان صخر بن حربٍ (لَا حَكِيمَ) بالكاف المكسورة، بوزن عَظِيم، في الفرع (إِلَّا ذُو) أي: صاحب (تَجْرِبَةٍ) وهذا لفظ أبي سعيدٍ مرفوعًا أخرجهُ أحمد وصحَّحه ابن حبَّان، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لا حِلْم“ بكسر الحاء المهملة وسكون اللام «إلَّا بتجربةٍ»، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”إلَّا لذِي تجربةٍ“ والحلمُ التَّأني في الأمورِ المقلقةِ، والمعنى أنَّ المرءَ لا يوصفُ بالحلمِ حتَّى يجرِّب الأمورَ، وقيل: المعنى لا يكون حليمًا كاملًا إلَّا مَن وقع في زلَّةٍ وحصل منه خطأٌ، فحينئذٍ يخجلُ.
          وقال ابنُ الأثير: معناه لا يحصلُ الحلم حتَّى يركبَ الأمورَ ويعثرَ فيها، فيعتبرَ بها ويستبينَ مواضعَ الخطأ ويجتنبَها، وقيل: المراد: أنَّ من جرَّب الأمورَ وعرفَ عواقبَها آثرَ الحلمَ، وصبرَ على قليلِ الأذى؛ ليدفعَ به ما هو أكبر منه.
          وقال الطِّيبيُّ: ويمكن أن يكون تخصيصُ الحليم بذي التَّجربة؛ للإشارة إلى أنَّ غيرَ الحليم بخلافهِ، فإنَّ الحليم الَّذي ليس له تجربةٌ قد يعثرُ في مواضع لا ينبغِي له فيها الحلم بخلافِ الحليم المجرِّب، وهذا الأثرُ وصله ابنُ أبي شيبة في «مصنفه» عن عيسى بنِ يونس، عن هشامِ بن عروة، عن أبيهِ، قال معاوية: لا حلمَ إلَّا بالتَّجارب. وأخرجه البخاريُّ في «الأدب المفرد» من طريق عليِّ بن مُسْهر، عن هشامٍ، عن أبيهِ قال: كنتُ جالسًا عند معاويةَ فقال: لا حليمَ إلَّا ذو تجربةٍ. قالها ثلاثًا. وأخرج من حديث أبي سعيدٍ مرفوعًا: «لا حليمَ إلَّا ذو عثرةٍ، ولا حكيمَ إلَّا ذو تجربةٍ» وأخرجه أحمدُ وصحَّحه ابن حبَّان، ومرَّ.