إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الكبر

          ░61▒ (بابُ) ذمِّ (الكِبْرِ) بكسر الكاف وسكون الموحدة، وهو ثمرةُ العُجْب، وقد هلكَ بهما كثيرٌ من العلماء والعباد والزُّهَّاد، والكِبْر: هو أن يَرى نفسَه خيرًا من غيرهِ جهلًا بها وبقدرِ بارئها تعالى وبوعدهِ ووعيدهِ. والتَّكبُّر: منع الحقِّ كمَن ينصرُ باطلًا رياء وازدراءً لخلقِ الله، فكلُّ مُعجبٍ أو متكبِّرٍ بنعمةٍ يأنف ممَّن هو فقيرٌ منها كفرًا للنِّعمةِ والرَّحمة(1)، وأنفع شيءٍ لدفعه التَّفكُّر في كونهِ لم يكن شيئًا، وليس أخسُّ من العدمِ، وحيثُ صار شيئًا صار جمادًا لا يحسُّ، وكان إيجادهُ من ترابٍ وطينٍ منتنٍ، ونطفةٍ بمكانٍ قذرٍ، فأُوْجِدَ بسمعٍ وبصرٍ وعقلٍ؛ ليعرف به أوصافَه(2)، وأخرجه تعالى ضعيفًا عاجزًا، فربَّاه وقوَّاه وعلَّمه إلى مُنتهاه، ويلازمُه مع ذلك مستقذراتٍ كالبولِ والغائطِ والسُّقم والعَجز، لا يملكُ ضرًّا ولا نفعًا ولا شيئًا، ومع ذلك قد لا يشكرُ نعمهُ، ولا يذكر عرضَ قبائحهِ، وتفرُّده بقبرٍ موحشٍ عن محابِّه وأحبابهِ فيصيرُ جيفةً، والأحداقُ سالتْ والألوانُ حالتْ والرُّؤوس تغيَّرت ومالتْ مع فتَّانٍ يأتيه فيقعدهُ يسأله عمَّا كان يعتقدُهُ، ثمَّ يكشفُ له من الجنَّة أو النَّار مقعدهُ، ثمَّ يُقاسي أهوالَ القيامة، ثمَّ يصيرُ إلى النَّار إنْ لم يرحمْه ربُّه ومَن هذه حالتهُ، فمِن أين يأتيهِ الكبرُ، فالكبرياءُ والعظمةُ للربِّ القادرِ لا للعبدِ العاجزِ، أشارَ إليه في «قُوت الأحياء».
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) هو ابنُ جبر، فيما(3) وصله الفِريابيُّ في قولهِ تعالى: ({ثَانِيَ عِطْفِهِ}[الحج:9]) أي: (مُسْتَكْبِرٌ فِي نَفْسِهِ، عِطْفُهُ) أي: (رَقَبَتُهُ) وقال غيرهُ: أي: لاويًا عنقَهُ عن طاعةِ الله كِبرًا وخُيَلاءً.


[1] «والرحمة»: ليست في (ع)، وفي (د): «للرحمة».
[2] في (ع): «أوضاعه».
[3] في (د): «مما».