إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي

          6085- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أويسٍ قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ) بن سعد بن إبراهيم بنِ عبد الرَّحمن بنِ عوفٍ (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) بفتح الكاف، مؤدِّب ولد عُمر بن عبد العزيز (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الخَطَّابِ) كان واليًا على الكوفة لعمر بنِ عبد العزيز (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ) سعدِ بن أبي وقَّاصٍ ☺ ، أنَّه (قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ ☺ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ) من أزواجهِ (مِنْ قُرَيْشٍ) عائشة وحفصة وأمُّ سلمة وزينب بنت جحش وغيرهنَّ، حال كونهنَّ (يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ) أي: يطلبْنَ منه أكثرَ ممَّا يُعْطيهنَّ، حال كونهنَّ (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ) ولأبي ذرٍّ: ”عاليةٌ“ بالرَّفع على الصِّفة، أو خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هنَّ رافعةٌ(1) أصواتهنَّ (عَلَى صَوْتِهِ) يحتملُ أن يكون ذلك قبل النَّهي عن رفع الصَّوت على صوتهِ، أو كان ذلك من طبعهنَّ (فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ) ☺ في الدُّخول (تَبَادَرْنَ الحِجَابَ) أي: أسرعنَ إليه (فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلعم ، فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صلعم يَضْحَكُ) من فعلهنَّ، والواو للحال (فَقَالَ) له عمرُ: (أَضْحَكَ اللهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ) هو دعاءٌ بالسُّرور الَّذي هو لازم الضَّحك لا دعاءَ بالضَّحك (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) أفديكَ / (فَقَالَ) صلعم : (عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ) النِّسوة (اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي) يرفعنَ أصواتهنَّ (لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ) ولأبي ذرٍّ: ”فتبادرن“ (الحِجَابَ، فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ) عمر (عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ أَتَهَبْنَنِي) بفتح الهمزة والفوقية والهاء وسكون الموحدة وفتح النون الأولى وكسر الثانية (وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللهِ صلعم فَقُلْنَ) له: (إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) بالظاء المعجمة فيهما، وصيغةُ أفعل ليست‼ على بابها لحديث: «ليس بفظٍّ ولا غليظٍ» [خ¦2125] وحينئذٍ فلا تعارضَ بين الحديث وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ}[آل عمران:159] ولا يشكل بقوله: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة:73] فالنَّفي بالنِّسبة لما جبلَ عليه، والأمر محمولٌ على المعالجةِ، أو النَّفي بالنِّسبة إلى المؤمنينِ والأمر بالنِّسبة إلى الكفَّار والمنافقين (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِيهٍ) بكسر الهمزة وسكون التحتية وتنوين الهاء، حَدِّثنا ما شئتَ وأعرضْ عن الإنكارِ عليهنَّ (يَا ابْنَ الخَطَّابِ) وقال الطِّيبيُّ: «إيهٍ»، استزادةٌ منه في طلبِ توقيرهِ صلعم وتعظيمِ حاله (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا) بالجيم المشددة، طريقًا واسعًا (إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) الَّذي تسلكهُ فرقًا(2) منك.
          والحديثُ سبق في «باب صفة إبليس وجنوده» [خ¦3294] وفي «مناقب عمر» [خ¦3683].


[1] في (ب): «رفيعة».
[2] في (ص): «خوفًا».