إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث مجاهد في قوله: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا}

          5344- وبه قال / : (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) الكَوْسَج المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا رَوْحُ ابْنُ عُبَادَةَ) بفتح الراء وسكون الواو بعدها حاء مهملة، وعُبادة: بضم العين وتخفيف الموحدة، القيسيُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا شِبْلٌ) بكسر المعجمة وسكون الموحدة، ابنُ عُبادة، مُقرئ مكَّة، قرأ على ابن كثير المكِّيِّ (عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة مهملة، عبد الله، واسم أبي نجيح: يسار، ضدُّ اليمين (عَنْ مُجَاهِدٍ) هو: ابنُ جبرٍ المُفسِّر، أنَّه قال في تفسير قوله تعالى: ({وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا}[البقرة:234]. قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ العِدَّةُ) أي: التَّربُّص أربعة أشهرٍ وعشرًا المذكور في الآية (تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا) أمرًا (وَاجِبًا) ولكريمة: ”واجبٌ“ بالرفع خبر مبتدأ محذوفٍ (فَأَنْزَلَ اللهُ) تعالى بعدها: ({وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا}) نصبٌ بالوصيَّة لأنَّها مصدر، أو تقديره: متِّعوهنَّ متاعًا ({إِلَى الْحَوْلِ}) صفة لمتاعًا ({غَيْرَ إِخْرَاجٍ}) مصدرٌ مؤكِّد كقولك: هذا القولُ غير ما تقول ({فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ}) من التَّزيُّن والتَّعرُّض للخطاب ({مِن مَّعْرُوفٍ}[البقرة:240]) ممَّا ليس بمنكرٍ في الشَّرع (قَالَ) مجاهد: (جَعَلَ اللهُ لَهَا تَمَامَ السَّنَةِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً) في هذه الآية الثَّانية (وَصِيَّةً) من زوجها (إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا) الَّتي أوصاها لها الزَّوج (وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ) بعد الأربعةِ الأشهر والعَشر (وَهْوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَالعِدَّةُ‼ كَمَا هِيَ، وَاجِبٌ عَلَيْهَا، زَعَمَ ذَلِكَ) قاله ابنُ أبي نجيح (عَنْ مُجَاهِدٍ) وكأنَّ الحاملَ له على ذلك _كما قاله الخطابيُّ_ استشكالُ أن يكون النَّاسخ قبل المنسوخ، فرأى أنَّ استعمالها ممكنٌ بحكمٍ غير متدافعٍ؛ لجوازِ أن يوجبَ الله على المعتدةِ أربعة أشهرٍ وعشرًا، ويُوجب على أهلها أنْ تبقَى عندهُم بقيَّة الحَول إنْ أقامت عندهم، وهو قولٌ لم يقلهُ أحدٌ من المفسرين ولا تابعه أحدٌ من الفقهاءِ عليه.
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) هو ابنُ أبي رباح: (قَالَ(1) ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ : (نَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ) الأولى (عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) المذكورة في الآية الثَّانية (فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ) لأنَّ السُّكنى تبعٌ للعدَّة، فلمَّا نُسخ الحَول بالأربعةِ الأشهر والعَشر نُسِخت السُّكنى أيضًا (وَ) كذا (قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ}) نسخ أيضًا كما عليه الجمهور (وَقَالَ عَطَاءٌ) أيضًا: (إِنْ شَاءَتِ) المُتوفَّى عنها زوجها (اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”عند أهله“ (وَسَكَنَتْ فِي وَصِيَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ لِقَوْلِ اللهِ) تعالى: ({فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيَ أَنفُسِهِنَّ}) وسقط لفظ «{أَنفُسِهِنَّ}» لغير أبي ذرٍّ (قَالَ عَطَاءٌ) المذكور: (ثُمَّ جَاءَ المِيرَاثُ، فَنَسَخَ السُّكْنَى) كما نَسختْ آيةُ الخروج _وهي {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}_ وجوبَ الاعتداد عند أهل الزَّوج (فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا سُكْنَى لَهَا) وهو قولُ أبي حنيفة، كما مرَّ.


[1] في (ب) و(س): «عن».