إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن يحيى بن سعيد طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم

          5321- 5322- وبه قال: (حَدَّثَنَا) بالجمع(1) (إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أُويس قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (مَالِكٌ) الإمام الأعظم (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ (عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) أي: ابن أبي بكرٍ الصِّدِّيق (وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) بالتَّحتية والسين المهملة المخفَّفة، مَولى ميمونة (أَنَّهُ) أي: أنَّ يحيى بنَ سعيدٍ الأنصاريَّ (سَمِعَهُمَا) أي: القاسم بن محمَّد وسليمان بن يسارٍ (يَذْكُرَانِ: أَنَّ(2) يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ) أخا عَمرو بن سعيد، المعروف بالأشدَقِ (طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحَكَمِ) بفتحتين، عَمْرة، الطَّلاق البتَّة (فَانْتَقَلَهَا) أي: نقلها (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) أبوها من مسكنِهَا الَّذي طُلِّقت فيه، فسمعتْ عائشة بنقلِ عبد الرَّحمن ابنته من مَسْكنها الَّذي طُلِّقت فيه (فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المُؤْمِنِينَ) ♦ (إِلَى) عمِّ عَمرة بنت عبد الرَّحمن بن الحكم (مَرْوَانَ) ولأبي ذرٍّ زيادة: ”ابن الحكم“ (وَهْوَ أَمِيرُ المَدِينَةِ) يومئذٍ من قبل معاوية وولي الخلافة بعدُ، تقول له: (اتَّقِ اللهَ) يا مروان (وَارْدُدْهَا إِلَى بَيْتِهَا) الَّذي طُلِّقت فيه (قَالَ مَرْوَانُ) مجيبًا لعائشة كما (فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ) بن يسار: (إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَكَمِ) يعني: أخاهُ والدَ عَمرة (غَلَبَنِي) فلم أقدرْ على منعهِ من نَقلتها(3)‼ (وَقَالَ القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ) في حديثه: قال مروان مجيبًا لعائشة أيضًا: (أَوَمَا بَلَغَكِ شَأْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ؟) حيث لم تعتدَّ في بيتِ زوجها وانتقلتْ إلى غيره (قَالَتْ) عائشة ♦ لمروان: (لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ) لأنَّه لا حجَّة فيه لجواز انتقالِ المطلَّقة من منزلها بغير سببٍ(4)، قاله في «الفتح».
          وقال في «الكواكب»: كان لعلَّةٍ وهو أنَّ مكانها كان وحشًا مخوفًا عليه، أو لأنَّها كانت لسنَةً استطالَتْ على أحمائهَا (فَقَالَ / : مَرْوَانُ بْنُ الحَكَمِ) لعائشة: (إِنْ كَانَ بِكِ شَرٌّ) أي: إن كان عندَك أنَّ سببَ خروج فاطمة بنت قيس ما وقعَ بينها وبين أقارب زوجها من الشَّرِّ (فَحَسْبُكِ) فيكفيكِ في جوازِ انتقال عَمرة (مَا بَيْنَ هَذَيْنِ) عَمرة وزوجها يحيى بن سعيد (مِنَ الشَّرِّ) ومفهومه: جواز النَّقلة من المسكنِ الَّذي طلِّقت فيه بشرطِ وجود عارضٍ يقتضِي جواز خروجِها منه، كأنْ يكون المنزلُ مستعارًا ورجعَ المُعير ولم يرضَ بإجارته بأُجرة المِثل، أو امتنعَ المكْري من تجديدِ الإجارة بذلك، أو كان مُلكًا لها ولم تخترِ الاستمرار فيه بإجارةٍ بل اختارتْ الانتقالَ منه؛ إذ لا يلزمُها بذله بإعارةٍ ولا إجارةٍ، كما لو كان المسكنُ خسيسًا وطلبتِ النَّقلة منه إلى اللَّائق بها، فإن كانَ نفيسًا فللزَّوج نقلها إلى غيرهِ لائق بها، ويتحرَّى المنزلَ الأقربَ إلى المنقولِ عنه بحسبِ الإمكان.
          وقال المرداويُّ من الحنابلة: تعتد بائنٌ حيث شاءتْ من البلدِ في مكانٍ مأمونٍ، ولا تسافرُ، ولا تبيتُ إلَّا في منزلهَا، وإنْ أرادَ إسكانها في منزلهِ أو غيره ممَّا يصلحُ لها تحصينًا لفراشهِ ولا مَحذورٍ فيه لَزمها ذلك، ولو لم تلزمه نفقة.


[1] في (د) زيادة هنا: «ولأبي ذر حدثني بالإفراد»، سيأتي مكانها كما في بقية الأصول.
[2] «أن»: ليست في (ص) و(م).
[3] في (ب): «نقلها».
[4] في الأصول: «بسبب»، والتصحيح من «الفتح»، وهو الذي يقتضيه السياق.