إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا مال لك إن كنت صادقًا فقد دخلت بها

          5311- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ) بفتح العين في الأول، وضم الزاي وتكرير الراء بينهما ألف، قال: (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ) ابن عليَّة (عَنْ أَيُّوبَ) السَّخْتِيانيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) أنَّه (قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ) ☻ : (رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ) ما الحكمُ فيه؟ وزاد مسلم من وجهٍ آخر، عن سعيد بنِ جبيرٍ، قال: لم يفرِّق المصعب(1) _يعني: ابن الزُّبير_ بين المتلاعنين، أي: حيث كان أميرًا على العراق. قال سعيد: فذكرت ذلك لابن عمر (فَقَالَ: فَرَّقَ النَّبِيُّ(2) صلعم بَيْنَ أَخَوَيْ) بفتح الواو وسكون التحتية (بَنِي العَجْلَانِ) بفتح العين المهملة وسكون الجيم، من باب التَّغليب حيث جعل الأخت كالأخ، وأمَّا إطلاق الأخوَّة فبالنَّظر إلى أنَّ المؤمنين إخوةٌ، أو إلى(3) القرابةِ الَّتي بينهما بسبب أنَّ الزَّوجين كليهما من قبيلةِ عجلان (وَقَالَ) صلعم : (اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ) وللمُستملي: ”لكاذبٌ“ وجملة «يعلم» في محلِّ الخبر، و«أن» فتحت لأنَّها سدَّت مسدَّ مفعولي «علم»(4) (فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟) منكما خبر المبتدأ، وهو تائبٌ وسوَّغ الابتداء بالنَّكرة تقدُّم الخبر والاستفهام، وهو في المعنى صفة لموصوفٍ محذوفٍ، أي: فهل منكما أحدٌ تائبٌ أو شخصٌ تائبٌ(5)؟ ومِن للبيان، وتتعلَّق بالاستقرار المقدَّر، وعرَّض بالتَّوبة لهما بلفظ الاستفهام لإبهامِ الكاذب منهما (فَأَبَيَا) فامتنعا (فقَالَ) ╕ ثانيًا: (اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ) أحدٌ (مِنْكُمَا تَائِبُ؟ فَأَبَيَا. فَقَالَ) صلعم ثالثًا: (اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ) أحدٌ (مِنْكُمَا تَائِبٌ؟ فَأَبَيَا. فَفَرَّقَ) بتشديد الراء (بَيْنَهُمَا) صلعم ، فظاهره: أنَّ الفرقة لا تقع إلَّا بقضاء القاضي وهو قول أبي حنيفة (قَالَ أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ بالسَّند السَّابق: (فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إِنَّ فِي الحَدِيثِ) المذكور (شَيْئًا) سمعتُه من سعيد بنِ جبير وحفظتُه منه (لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ. قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ) الملاعن: أين (مَالِي) الَّذي دفعته إليها صداقًا، أو مالي آخذه، فالخبر محذوفٌ، أو المعنى: أطلبُ مالي منها، فمنصوبٌ بمحذوفٍ، وإنَّما قال: مالي مع أنَّ المرأةَ ملكتهُ، لظنِّه(6) أنَّه قد رجعَ إليه، فصارَ ماله بمجرَّد اللِّعان فردَّ عليه (قَالَ: قِيلَ: لَا مَالَ لَكَ) لأنَّك (إِنْ كُنْتَ صَادِقًا) فيما ادَّعيتَ به(7) عليها (فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا) واستحقَّت جميع الصَّداق (وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا) فيما ادَّعيت عليها (فَهْوَ أَبْعَدُ مِنْكَ) لئلَّا يجتمع عليها الظُّلم في عرضها، ومُطالبتها بمالٍ قبضتُه قبضًا صحيحًا تستحقُّه.
          نعم، اختلفَ في غير‼ المدخولِ بها، والجمهور على أنَّ لها نصف الصَّداق كغيرها من المطلَّقات قبل الدُّخول، وقيل: بل لها الجميع، وقيل: لا شيءَ لها أصلًا.
          وهذا الحديث أخرجه مسلم في «اللِّعان»، وأبو داود والنَّسائيُّ في «الطَّلاق».


[1] في (س): «الصعب».
[2] في (م) و(د): «نبي الله».
[3] في (م): «وأن»، وفي (د): «أو أن».
[4] كذا ولعلها: همزة «أن» فتحت لأنها ستؤول بمصدر لتسد مسد مفعولي علم.
[5] «أو شخص تائب»: ليست في (د).
[6] في (س): «لظن».
[7] «به»: زيادة من (م).