إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لو رجمت أحدًا بغير بينة رجمت هذه

          5310- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ) بالعين المهملة والفاء مصغَّرًا، ونسبه لجدِّه، واسم أبيه كثيرٌ _بالمثلثة_ مولى الأنصار، المصريُّ قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ القَاسِمِ، عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ) بن أبي بكر الصِّدِّيق، فعبد الرَّحمن يروي عن أبيه القاسم (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (أَنَّهُ) قال: (ذُكِرَ التَّلَاعُنُ) بضم الذال المعجمة مبنيًّا للمجهول، أي: ذكر حكم الرَّجل الَّذي يرمي امرأته بالزِّنا، فعبَّر عنه(1) بالتَّلاعن باعتبارِ ما آل إليه الأمرُ بعد نزول الآية (عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ) الأنصاريُّ (فِي ذَلِكَ قَوْلًا) لا يليق به نحو ما يدلُّ على عجب النَّفس والنَّخوة والغيرة، وعدم الحوالة إلى إرادةِ الله وحوله وقوَّته، قاله الكِرمانيُّ، ونقل عن ابنِ بطَّال أنَّه قال: لو وجد(2) مع امرأته رجلًا يضربُه بالسَّيف حتَّى يقتلَه (ثُمَّ انْصَرَفَ) عاصم بن عديٍّ من عند النَّبيِّ صلعم (فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ) هو عويمر لا هلال بن أميَّة (يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ قد وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ) خولة (رَجُلًا، فَقَالَ عَاصِمٌ: مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا إِلَّا) ولأبي ذرٍّ: ”بهذا الأمر إلَّا“ (لِقَوْلِي) أي: بسؤالي عمَّا لم يقعْ، فعوقبت بوقوع ذلك‼ في رجلٍ من قومي، وفي مرسل مقاتل بن حيَّان عند ابنِ أبي حاتم: «فقال عاصم: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، هذا والله سؤالي عن هذا الأمر بين النَّاس فابتليت به» (فَذَهَبَ بِهِ) فذهب عاصم بعويمر (إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ(3) امْرَأَتَهُ) خولة، من خلوتها بالرَّجل الأجنبيِّ (وَكَانَ) بالواو، ولأبي الوقت: ”فكان“(4) (ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا) بتشديد الراء، كثير الصُّفرة (قَلِيلَ اللَّحْمِ) نحيفًا (سَبْطَ الشَّعَرِ) بسكون الموحدة وفتح العين، مسترسله غير جعده (وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا) بفتح الخاء المعجمة وسكون(5) الدال المهملة وتخفيف اللام في «اليونينية»، وللأَصيليِّ ممَّا ذكره في «التوضيح» بكسر الدال، وحكى السَّفاقسيُّ تخفيف اللام وتشديدها. قال في «القاموس»: الخدل: الممتلئ والضَّخم، وساقٌ خَدْلة بيِّنة الخَدَل _محرَّكة_ والخَدْلة: المرأة(6) الغليظةُ السَّاق المستديرتها، الجمع: خِدَال، أو ممتلئةَ الأعضاءِ كالخَدْلاءِ(7) (آدَمَ) بمد الهمزةِ من الأُدْمة، وهي السُّمرة (كَثِيرَ اللَّحْمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : اللَّهُمَّ بَيِّنْ) لنا حكم هذه المسألة (فَجَاءَتْ) / ولدت ولدًا (شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ) معها (فَلَاعَنَ النَّبِيُّ صلعم بَيْنَهُمَا) ظاهره صدورُ الملاعنة بعد وضعِ الولد، لكنَّه محمولٌ على أنَّ قوله: فلاعن معقَّبٌ بقوله: فذهب به إلى النَّبيِّ صلعم فأخبره بالَّذي وجد عليه امرأتَه، واعترض قوله: وكان ذلك الرَّجل... إلى آخره بين الجملتين، والحاملُ على ذلك أنَّ رواية القاسم هذه(8) موافقةٌ حديث سهلِ بن سعدٍ، وفيه: أنَّ اللِّعان وقعَ بينهما قبل أن تضعَ (قَالَ رَجُلٌ) اسمه عبد الله بن شدَّاد بن الهاد، وهو ابنُ خالة ابن عبَّاسٍ (لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي المَجْلِسِ): هذه المرأة (هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ) أي: امرأةَ عويمر (فَقَالَ) ابن عبَّاسٍ ☻ : (لَا، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الإِسْلَامِ السُّوءَ) تُعْلِنُ بالفاحشةِ ولكن لم يثبتْ عليها ذلك ببيِّنةٍ ولا اعترافٍ، ولم يسمِّها (قَالَ أَبُو صَالِحٍ) عبد الله بنُ صالح كاتب اللَّيث بن سعدٍ، فيما أخرجه المؤلِّف في «المحاربين» (وَعَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ ممَّا وصله في «الحدود» [خ¦6856]: (خَدِلًا) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال للأَصيليِّ، وبسكونها للأكثر، وهي الرِّواية السَّابقة(9).
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «المحاربين»(10)، ومسلم في «اللِّعان»، والنَّسائيُّ في «الطَّلاق».


[1] «عنه»: ليست في (م) و(د).
[2] في (د): «وجدت».
[3] في (م): «مع».
[4] «فكان»: ليست في (د).
[5] في (د): «وكسر».
[6] في (ص) زيادة: «العظيمة».
[7] في (د): «كالخدلان».
[8] «هذه»: ليست في (م) و(د).
[9] في (د): «الرواية في السابقة».
[10] قال الحافظ ابن حجر في التغليق (4/476) وقع موصولًا في روايتنا من طريق أبي ذر الهروي، قال في روايته: قال لنا أبو صالح، فذكره.