إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قد قضى الله فيك وفي امرأتك

          5309- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ) البخاريُّ البِيْكَنديُّ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّام الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ) عبد الملك بنُ عبد العزيز (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ(1) الزُّهريُّ (عَنِ المُلَاعَنَةِ) بفتح العين (وَعَنِ السُّنَّةِ فِيهَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ) اسمه عويمرٌ العجلانيُّ حليف بني عَمرو بن عوفِ بنِ مالك بنِ الأوس (جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أي: أخبرني عن حكم رجلٍ (وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا) يزني بها (أَيَقْتُلُهُ) أي: فتقتلونه قصاصًا لتقدُّم علمهِ بحكم القصاص من عمومِ قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}[المائدة:45] وقد اختلفَ فيمن وجدَ مع امرأتهِ رجلًا فتحقَّق الأمر فقتلَه، هل نقتله(2)؟ فالجمهور على المنع والقصاص منه إلَّا إن أتى ببيِّنة على الزِّنا، أو على المقتولِ بالاعتراف، أو اعتراف ورثته(3) فلا يقتلُ قاتله إذا كان الزَّاني محصنًا (أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟) أي: أيَّ شيءٍ يفعلُ؟ فكيف مفعولٌ بيفعل(4) كقولهِ تعالى: {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ}[الفيل:1]‼ إذ معناه: أيَّ فعلٍ فعل ربُّك؟ ولا يتَّجه فيه أن يكون حالًا من الفاعل، وعن سيبويه: إنَّ كيف ظرفٌ، وعن السِّيرافيِّ والأخفش: إنَّها اسم غير ظرفٍ، ورتَّبوا على هذا الخلاف أمورًا.
          أحدها: أنَّ موضعها عند سيبويه نصب دائمًا، وعندهما رفعٌ مع المبتدأ، نصبٌ مع غيره.
          الثَّاني: أنَّ تقديرها عند سيبويه في أيِّ حالٍ، أو على أيِّ حالٍ، وعندهما تقديرها في نحو: كيف زيدٌ، أصحيح زيد ونحوه، وفي نحو: كيف جاء زيدٌ، أراكبًا(5) جاء زيدٌ ونحوه.
          الثَّالث: أنَّ الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال: على خيرٍ ونحوه، وقال ابن مالكٍ _ما معناه_: لم يقل أحدٌ إنَّ «كيف» ظرف إذ ليست زمانًا ولا مكانًا، ولكنَّها لمَّا كانت تفسَّر بقولك: على أيِّ حالٍ لكونها سؤالًا عن الأحوال العامَّة سمِّيت ظرفًا؛ لأنَّها في تأويلِ الجار والمجرور، واسم الظَّرف يُطلق عليها مجازًا. انتهى من «المغني».
          (فَأَنْزَلَ اللهُ فِي شَأْنِهِ) في شأن عويمر (مَا ذَكَرَ فِي) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”من“ (القُرْآنِ مِنْ أَمْرِ المُتَلَاعِنَيْنِ) في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ} إلى آخر الآيات (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) له: (قَدْ قَضَى اللهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ) خولة بنت قيس بما أنزلهُ في قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ}[النور:6] (قَالَ) سهلٌ: (فَتَلَاعَنَا فِي المَسْجِدِ، وَأَنَا شَاهِدٌ) وفيه مشروعيَّة تلاعنِ المسلم في المسجدِ الجامع، وأمَّا زوجته الذِّمِّية ففيما تعظمه من بيعةٍ وكنيسةٍ وغيرهما، فإن رضي زوجها بلعانها في المسجد وقد طلبتُه جاز، والحائضُ تلاعن بباب المسجد الجامع لتحريم مُكثها فيه، ومثلها النُّفساء والجُنُب والمتحيِّرة (فَلَمَّا فَرَغَا) مِن تلاعنهما (قَالَ) عويمر: (كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم حِينَ فَرَغَا مِنَ التَّلَاعُنِ، فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم ) تمسَّك به من قال: إنَّ الفرقةَ بين المتلاعنين تتوقَّف على تطليقِ الزَّوج، وأجاب القائلون بأنَّ الفرقة تقعُ بالتَّلاعن بقولهِ في حديثِ ابن عمر: فرَّق النَّبيُّ / صلعم بين المتلاعنين [خ¦4748]، وبقوله في حديث مسلم: «لا سبيلَ لك عليها» (فَقَالَ) سهلٌ أو ابن شهابٍ: (ذَاكَ تَفْرِيقٌ) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”فكان ذلك تفريقًا“ وللكُشميهنيِّ: ”فصار“ بدل: فكان، و”تفريقًا“ نصبٌ كالمُستملي (بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ) بالسَّند السَّابق: (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَكَانَتِ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ) كلِّ(6) (المُتَلَاعِنَيْنِ وَكَانَتْ) خولة الملاعنة (حَامِلًا) حين الملاعنةِ (وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لأُمِّهِ) لا لزوجهَا الملاعن إذ اللِّعان ينتفِي به النَّسب عنه إن نفاهُ في لعانهِ، وإذا انتفَى منه أُلحق بها لأنَّه‼ متحقِّقٌ منها (قَالَ: ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا) في ميراثِ الملاعنة (أَنَّهَا تَرِثُهُ) أي: ترثُ الولد الَّذي لحقها ونفاهُ الرَّجل (وَيَرِثُ) الولد (مِنْهَا مَا فَرَضَ اللهُ لَهُ) ولأبي ذرٍّ: ”لها(7)“.
          (قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ) بالسَّند السَّابق: (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم ) في «اليونينيَّة» بكسر همزة ”إن“(8) (قَالَ) ثبت «قال» لأبي ذرٍّ (إِنْ جَاءَتْ بِهِ) بالولدِ المتلاعن بسببهِ (أَحْمَرَ) اللَّون (قَصِيرًا) أي: قصير(9) القامة (كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ) بفتح الواو والحاء المهملة والراء، دويبةٌ تترامَى على الطَّعام واللَّحم فتفسده. وقال في «القاموس»: وزغةٌ كسام أبرص، أو ضرب من العِظَاء لا تطأ شيئًا إلَّا سمَّته (فَلَا أُرَاهَا) بضم الهمزة، أي: فلا أظنُّها (إِلَّا قَدْ صَدَقَتْ) والولد منه (وَكَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ) بفتح الهمزة وسكون المهملة، أي: واسعَ العين (ذَا) أي: صاحب (أَلْيَتَيْنِ) عظيمتين (فَلَا أُرَاهُ) فلا أظنُّه (إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا) فهو لابنِ سحماء (فَجَاءَتْ بِهِ) بالولد (عَلَى) الوصف (المَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ) وهو شبهُه بمَن رُميت به.


[1] «محمد بن مسلم»: ليست في (د).
[2] في (م) و(د): «فيقتله هل يقتل».
[3] في (د): «وارثه».
[4] في (س): «يفعل».
[5] في (م): «أو راكبًا».
[6] «كل»: ليست في (د).
[7] في (م): «لهما».
[8] «في اليونينية: بكسر همزة إن»: ليست في (ص).
[9] «أي قصير»: ليست في (م) و(ص)، وفي (ص): «للقامة»، وفي (م): «لقامة».