إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن رجلًا أتى النبي فقال: يا رسول الله ولد لي غلام أسود

          5305- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ) بفتح القاف والزاي والعين المهملة، المكيُّ المؤذِّن قال: (حَدَّثَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلم الزُّهريِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (أَنَّ رَجُلًا) وعند أبي داود من روايةِ ابن وهبٍ: «أنَّ أعرابيًّا من فزارةَ» وكذا عند مسلمٍ وأصحاب السُّنن من رواية سفيان / بن عُيينة، عن ابن شهاب، واسمُ هذا الأعرابيِّ: ضمضم بن قَتادة كما عند عبدِ الغني بن سعيدٍ في «المبهمات» له (أَتَى النَّبِيَّ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ) لم أعرفْ اسم المرأة ولا(1) الغلام، وزاد في «كتاب الاعتصام» من طريق ابن وهبٍ، عن يونس: «وإنِّي أنكرته» [خ¦7314] أي: استنكرتُه بقلبي، ولم يرد أنَّه أنكره بلسانه، وإلَّا لكان صريحًا لا تعريضًا لأنَّه قال: غلامٌ أسودُ، أي: وأنا أبيضُ، أي: فكيف يكون منِّي (فَقَالَ) النَّبيُّ صلعم له: (هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ) ╕ له: (مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ) ألوانها (حُمْرٌ) بضم الحاء المهملة وسكون الميم (قَالَ) صلعم : (هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟)‼ غير منصرفٍ للوصف ووزن الفعل كأحمر. قال في «القاموس»: ما في لونه بياضٌ إلى سوادٍ، وهو من أطيب الإبل لحمًا لا سيرًا وعملًا(2)، وقال غيره: الَّذي فيه سوادٌ ليس بحالك بأن يميلَ إلى الغبرة، ومنه قيل للحمامة: ورقاء، ومِن في قوله: «من أورق» زائدة (قَالَ: نَعَمْ، قَالَ) ╕ له: (فَأَنَّى ذَلِكَ؟) بفتح النون المشددة، أي: من أين أتاه(3) اللَّون الَّذي ليس في أبويه (قَالَ) الرَّجل: (لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ) بكسر العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف، ونزعه: بالنون والزاي والعين المهملة، أي: قلبه وأخرجه(4) من ألوان فحله ولقاحه(5)، وفي المثل: العرقُ نزَّاع. والعرق الأصل مأخوذٌ من عرق الشَّجرة، ومنه قولهم: فلانٌ عريقٌ في الأصالةِ؛ يعني: أنَّ لونه إنَّما جاء لأنَّه كان في(6) أصولهِ البعيدة ما كان فيه هذا اللَّون، ولأَبَوَي ذرٍّ والوقتِ والأَصيليِّ وابنِ عساكرَ: ”لعلَّ“ بغير هاء(7) ”عِرقٌ“ بالرفع، وقد جزم بعضُهم بأنَّ الصَّواب النَّصب، أي: لعلَّ عرقًا نزعه، وقال الصَّغاني: يحتملُ أن يكون بالهاء فسقطتْ، ووجَّهه ابن مالكٍ باحتمال أنَّه حذف منه ضمير الشَّأن، وقال في «المصابيح»: اسم لعلَّ ضميرُ نصبٍ محذوفٌ، ومثله عندهم قليل، بل صرَّح بعضُهم بضعفه (قَالَ) صلعم : (فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ) أي: العرق.
          وفائدةُ الحديث: المنع عن نفِي الولد بمجرَّد الأمارات الضَّعيفة، بل لا بدَّ من تحقُّقٍ كأنْ رآها تزني، أو ظهور دليل قويٍّ كأن لم يكن وطئها، أو أتتْ بولدٍ قبل ستَّة أشهرٍ من مبدأ وطئها أو لأكثر من أربعِ سنين، بل يلزمه نفي الولد لأنَّ تركَ نفيه يتضمَّن استلحاقَهُ، واستلحاقُ مَن ليس منه حرامٌ، كما يحرُم نفي من هو منه.
          وفي حديث أبي داود وصحَّحه الحاكم على شرط مسلم: «أيُّما امرأةٍ أَدخلت على قومٍ مَن ليسَ منهم فليستْ من الله في شيءٍ ولم(8) يُدخلها جنَّته، وأيَّما رجل جحدَ ولدَه وهو ينظرُ إليه احتجبَ الله منه يوم القيامةِ وفضحَه على رؤوسِ الخلائقِ يوم القيامة» فنصَّ في الأوَّل على المرأةِ، وفي الثَّاني على الرَّجل، ومعلومٌ أنَّ كلًّا منهما في مَعنى الآخر، ولا يكفِي مجرَّد الشُّيوع لأنَّه قد يذكره غير ثقةٍ فيستفيضُ، فإن لم يكن ولد فالأَولى أن يسترَ عليها ويطلِّقها إن كرهها.
          وفي الحديث: أنَّ التَّعريض بالقذف ليس قذفًا، وبه قال الجمهور، واستدلَّ به إمامنا الشَّافعيُّ لذلك، وعن المالكيَّة: يجبُ به الحدُّ إذا كان مفهومًا.
          وهذا الحديث‼ أخرجه أيضًا في «المحاربين» [خ¦6847].


[1] في (م): «لا اسم».
[2] في (د): «ولا علا».
[3] في (م) و(ص) و(د): «أتاها».
[4] في (م) و(ص) و(د): «قلبها وأخرجها».
[5] في (م) و(ص) و(د): «فحلها ولقاحها».
[6] في (د): «لأن في».
[7] في (م) و(د) زيادة: «نزعها»، «بغير هاء»: ليست في (د).
[8] في سنن أبي داود: «ولن».