إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان المشركون على منزلتين من النبي

          5286- 5287- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) الفرَّاء الرَّازيُّ الصَّغير قال: (أَخْبَرَنَا هِشَامٌ) أبو عبد الرَّحمن بن يوسف الصَّنعانيُّ (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيز (وَقَالَ عَطَاءٌ) قال الحافظ ابن حجرٍ: معطوفٌ على محذوفٍ كأنَّه كان في جملة أحاديثَ حدَّث بها ابن جريحٍ عن عطاءٍ، ثمَّ قال: وقال عطاء، أي: الخراسانيُّ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (كَانَ المُشْرِكُونَ عَلَى مَنْزِلَتَيْنِ مِنَ النَّبِيِّ صلعم وَ) من (المُؤْمِنِينَ) الأولى: (كَانُوا مُشْرِكِي أَهْلِ حَرْبٍ يُقَاتِلُهُمْ) النَّبيُّ صلعم (وَيُقَاتِلُونَهُ وَ) الثَّانية: كانوا (مُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ) ولابنِ عساكرَ: ”عقد“ بالقاف بدل: عهدٍ، بالهاء‼ (لَا يُقَاتِلُهُمْ) صلواتُ الله عليه وسلامه (وَلَا يُقَاتِلُونَهُ، وَكَانَ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فكان“ (إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ) دار(1) (أَهْلِ الحَرْبِ) إلى المدينة مسلمةً (لَمْ تُخْطَبْ) بضم أوله وفتح الطاء مبنيًّا للمفعول (حَتَّى تَحِيضَ) ثلاث حيضٍ (وَتَطْهُرَ) لأنَّها صارتْ بإسلامها وهجرتها من الحرائرِ، وقال الحنفيَّة: إذا خرجتِ المرأة إلينا مهاجرةً وقعتِ الفرقة اتِّفاقًا، وهل عليها عدَّة؟ فيها خلافٌ. عند أبي حنيفةَ: لا، فتتزوَّج(2) في الحال إلَّا أن تكون حاملًا لا على وجهِ العدَّة بل ليرتفعَ المانعُ بالوضعِ، وعند أبي يوسف ومحمَّد: عليها العدَّة، ووجه قول أبي حنيفة: أنَّ العدَّة إنَّما وجبتْ إظهارًا لحظر النِّكاح المتقدِّم ولا حظر لملك الحربيِّ، بل أسقطَه الشَّرع بالآيةِ في المهاجرات: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10] جمع كافرةٍ، فلو شرطنَا العدَّة لزمَ التَّمسُّك بعُقدة نكاحِهنَّ الموجودة(3) في حالِ كُفرهنَّ (فَإِذَا(4) طَهُرَتْ) بضم الهاء (حَلَّ لَهُ النِّكَاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ) تتزوَّج غيره (رُدَّتْ إِلَيْهِ) بالنِّكاح الأوَّل (وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ) من أهل الحرب (أَوْ أَمَةٌ فَهُمَا حُرَّانِ وَلَهُمَا مَا لِلْمُهَاجِرِينَ) من مكَّة إلى المدينة من تمام حرمةِ الإسلام والحريَّة (ثُمَّ ذَكَرَ) عطاء (مِنْ) قصَّة (أَهْلِ العَهْدِ مِثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ) وهو قوله: (وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِلْمُشْرِكِينَ) من(5) (أَهْلِ العَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا) إليهم (وَرُدَّتْ أَثْمَانُهُمْ) إليهم، وهذا من باب فداء أَسرى المسلمين، ولم يجزْ تملُّكهم لارتفاعِ علَّة الاسترقاقِ الَّتي هي الكفر فيهم.
          (وَقَالَ عَطَاءٌ) بالإسناد السَّابق (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (كَانَتْ قُرَيبَةُ) بضم القاف مصغَّرًا لأبي ذرٍّ / وابنِ عساكرَ، ولغيرهما: ”قَرِيبَة“ بفتح القاف وكسر الراء وكذا ضبطه الدِّمياطيُّ، و(6)في «القاموس» الوجهان، وعبارته بالتَّصغير وقد تُفتح (بِنْتُ) ولأبي ذرٍّ: ”ابنة“ (أَبِي أُمَيَّةَ) ابن المغيرة بن عبد الله بن عَمرو بن مخزومٍ، أخت أمِّ سلمة زوج النَّبيِّ صلعم (عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ) ☺ (فَطَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) وظاهرُ هذا كما في «الفتح»: أنَّها لم تكن أسلمت في هذا الوقت، وهو ما بين عمرة الحديبية وفتح مكَّة، وفيه نظرٌ، فقد ثبتَ بسندٍ صحيحٍ عند النَّسائيِّ ما يقتضي أنَّها هاجرت قديمًا، لكن يحتمل أنَّها جاءت إلى المدينة زائرةً لأختها قبل أن تُسلِم، أو كانت مقيمةً عند زوجها عمر على دينها قبل أن تنزلَ الآية، لكن هذا يردُّه ما روى عبد الرَّزَّاق عن مَعمر، عن الزُّهريِّ‼ لمَّا نزلت: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10] فذكر القصَّة، وفيها: فطلَّق عمرُ امرأتين كانتا له بمكَّة، فهذا يردُّ أنَّها كانت مقيمة، ولا يردُّ أنَّها جاءت زائرةً، ويحتمل أن يكون لأمِّ سلمة أختان، كلٌّ منهما تسمَّى قريبة تقدَّم إسلام إحداهما، وتأخَّر إسلامُ الأخرى وهي المذكورة هنا، ويؤيِّده أنَّ عند ابن سعد في «طبقاته»: قريبة(7) الصُّغرى بنت أبي أميَّة(8) أخت أمِّ سلمة تزوَّجها عبد الرَّحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق (وَكَانَتْ أُمُّ الحَكَمِ ابْنَةُ) ولأبي ذرٍّ: ”بنت“ (أَبِي سُفْيَانَ) أخت معاوية، وأمِّ حَبيبة لأبيها (تَحْتَ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ) بفتح الغين المعجمة وسكون النون (الفِهْرِيِّ) بكسر الفاء وسكون الهاء (فَطَلَّقَهَا) حينئذٍ (فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُثْمَانَ الثَّقَفِي) بالمثلثة. واستُشْكل ترك ردِّ النِّساء إلى أهل مكَّة مع وقوع الصُّلح بينهم وبين المسلمين في الحديبية: على أنَّ من جاءَ منهم إلى المسلمين ردُّوه، ومن جاءَ من المسلمين إليهم لم يردُّوه. وأُجيب بأنَّ حكم النِّساء منسوخٌ بآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} إذ فيها {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ} ثمَّ قال: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ}[الممتحنة:10] أي: في الصُّلح، واستثنى النِّساء منه، والأمر بهذا كلِّه هو حكمُ الله بين خلقه، والله عليمٌ بما يُصلح عباده، أو أنَّ النِّساء لم يدخلنَ في أصل الصُّلح، ويؤيِّده ما في بعض طرقِ الحديث: «على أنَّ لا يأتيك منَّا رجلٌ إلَّا رددتَّه». إذ مفهومُه عدمُ دخول النِّساء.


[1] «دار»: ليست في (س).
[2] في (م): «تتزوج».
[3] «الموجودة»: ليست في (س).
[4] في (م): «فإن».
[5] «من»: ليست في (س).
[6] في (ب): «وذكر».
[7] في (م): «قرينة».
[8] في (م): «أميمة».