إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة

          5273- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ (أَزْهَرُ بْنُ جَمِيلٍ) بفتح الجيم، أبو محمَّدٍ البصريُّ، لم يخرج عنه المؤلِّف سوى هذا، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ) بن عبد الحميد(1) (الثَّقَفِي) بالمثلثة، قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) الحذَّاء (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) الأنصاريِّ، جميلةَ بنت أُبيٍّ ابن سلول، الآتي ذكرها في هذا الباب مع اختلافٍ يُذكر إن شاء الله تعالى (أَتَتِ النَّبِيَّ صلعم / فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتُـِبُ) بضم الفوقية وكسرها مِنَ العِتاب، وهو كما في «القاموس» وغيره: الخطاب بالإدلالِ. قال في «الفتح»: وفي روايةٍ: ”مَا أَعيبُ“ (عَلَيْهِ) بكسر العين وتحتية ساكنة بعدها (فِي خُلُقٍ) بضم الخاء واللام (وَلَا دِينٍ) أي: لا أريدُ فراقه لسوءِ خُلقه، ولا لنقصانِ دينه (وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الكُفْرَ فِي الإِسْلَامِ) أي: إن أقمتُ عنده ربَّما أقعُ فيما يقتضِي الكفر لا أنَّه يحملُها عليه (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) لها: (أَتَرُدِّيَن عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟) أي: بستانه، وكان أَصْدَقَها إيَّاها (قالَتْ: نَعَمْ) أردُّها عليه (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) لثابتٍ زوجها: (اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْها تَطْلِيقةً) أمرُ إرشادٍ وإصلاحٍ لا إيجاب (قالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ) المؤلِّف: (لا يُتابَعُ) أزهرُ بن جميل (فِيهِ) أي: في الحديث (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) لأنَّ غيره أرسلَه، ولم يذكر ابن عبَّاسٍ، ومراده كما في «الفتح»: خصوصُ طريق خالد الحذَّاء، عن عكرمةَ، وقوله: «قال أبو عبد الله...» إلى آخره ثابتٌ في رواية المُستملي والكُشميهنيِّ‼ فقط.
          5274- وبه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثني“ بالإفراد (إِسْحَاقُ) بن شاهين (الوَاسِطِيُّ) قال: (حَدَّثَنَا خَالِدٌ) الطَّحانُ (عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ) بالذَّال المعجمة المشددة والمد (عَنْ عِكْرِمَةَ) مُرسلًا، لم يذكر ابن عبَّاسٍ (أَنَّ) جميلةَ (أُخْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ) رأس المنافقين، وظاهره: أنَّها بنت أُبيٍّ (بِهَذَا) الحديث (وَقَالَ) لها صلعم مُستفهمًا: (تَرُدِّينَ) عليه(2) (حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ) أردُّها عليه (فَرَدَّتْهَا) عليه (وَأَمَرَهُ) ╕ (يُطَلِّقْهَا) بالجزم، وأورد المؤلِّف هذا المرسل تقويةً لقوله: لا يُتابع فيه عنِ ابن عبَّاسٍ، مع التَّعريف بأنَّ امرأة ثابتٍ أخت عبد الله بن أُبيٍّ على ما لا يَخفى.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء، الهرويُّ، فيما وصلَه الإسماعيليُّ (عَنْ خَالِدٍ) الحذَّاء (عَنْ عِكْرِمَةَ) مرسلًا أيضًا (عَنِ النَّبِيِّ صلعم وَ) قال فيه: (طَلِّقْهَا) بالجزمِ، الحديثُ كما مرَّ.
          5275- (وَعَنِ ابْنِ أَبِي تَمِيمَةَ) أي: وقال ابنُ طهمانَ: عن أيُّوبَ. ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”وعن أيُّوب بن أبي تَميمةَ“ أي: السَّخْتِيانيِّ (عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ (أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) الخزرجيِّ (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَا أَعْتُبُ عَلَى ثَابِتٍ) زوجي (فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ) ظاهره: أنَّه لم يصنعْ بها شيئًا يقتضِي الشَّكوى منه بسببه، لكن في رواية النَّسائيِّ من حديث الرُّبيع بنت معوِّذٍ: أنَّه كسر يدها. فلعلَّها أرادتْ وإن كان سَيِّئَ الخُلق لكنَّها ما تعيبُه بذلك بل بشيءٍ غيره. وعند ابن ماجه من حديث عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه(3)، عن جدِّه: أنَّه كان رجلًا دميمًا. وفي رواية معتمر بن سليمان، عن فُضيل، عن أبي جَرير، عن عِكرمة، عن ابن عبَّاسٍ: أوَّل خُلع كان في الإسلام امرأة ثابتِ بن قيسٍ، أتتِ النَّبيَّ صلعم فقالت: يا رسولَ الله لا يجتمع رأسِي ورأسُ ثابتٍ أبدًا، إنِّي رفعتُ جانبَ الخِباء، فرأيتُه أقبلَ في عدَّة فإذا هو أشدُّهم سوادًا، وأقصرُهم قامةً، وأقبحُهم وجهًا، فقال: «أترُدِّينَ علَيهِ حديقَتَهُ؟» قالت: نعم، وإن شاء زِدتُه ففرَّق بينهما.
          والحاصل: أنَّها لم تشكُ سوءَ خلقه، ولا دينه، بل ممَّا ذكرت من سوءِ خِلقته الموجب لبُغضها له بحيث لا تطيق عِشرته، كما قالت (وَلَكِنِّي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي و(4)المُستملي: ”ولكن“ (لَا أُطِيقُهُ) لكراهتِي له بسبب ما ذُكر، وعند ابن ماجه: «لا أطيقه بُغضًا» (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) لها: (فَتَرُدِّينَ) بالفاء العاطفة على مقدَّر (عَلَيْهِ حَدِيقَتَه؟ قَالَتْ: نَعَمْ) زاد في حديث عُمر: فقال ثابتٌ: أيطيبُ ذلك‼ يا رسولَ الله؟ قال: «نَعم»، ورواية ابن طَهمان هذه وصلَها الإسماعيليُّ.


[1] في (ب): «المجيد».
[2] في (م): «له».
[3] قوله: «عن أبيه» ليس في النسخ، والزيادة من مصادر التخريج.
[4] «الحَمُّويي و»: ليست في (س).