إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لي خمسة أسماء: أنا محمد وأحمد وأنا الماحي

          3532- وبه قال: (حَدَّثَنَا) / بالجمع، ولأبي ذر: ”حدَّثني“ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ المُنْذِرِ) الحِزاميُّ المدنيُّ (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (مَعْنٌ) بالميم المفتوحة فعينٌ مهملةٌ ساكنةٌ فنونٌ، ابنُ عيسى القزَّاز (عَنْ مَالِكٍ) الإمامِ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بنِ مسلمٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) بضمِّ الميم وكسر العين (عَنْ أَبِيهِ) جبيرٍ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ) إنْ قيل(1): إنَّ‼ المقرَّر في علم المعاني أنَّ تقديم الجارِّ والمجرور يُفيد الحَصْر، وقد وردتِ الرواياتُ بأكثرَ مِن ذلك، حتى قال ابنُ العربيِّ: إنَّ له صلعم ألفَ اسمٍ، أجيبَ بأنَّه لم يَرِدِ الحصرُ فيها، فالظاهرُ أنَّه أراد أنَّ لي خمسة أسماءٍ أختصُّ بها، أو خمسة أسماءٍ مشهورة عند الأمم السابقة (أَنَا مُحَمَّدٌ) اسمُ مفعولٍ منقول مِنَ الصفة على سبيل التفاؤلِ أنَّه سيكثرُ حمدُه؛ إذْ «المحمَّدُ» في اللغة: هو الذي يُحمَدُ حَمْدًا بعد حَمْدٍ، ولا يكونُ «مُفَعَّل» مثل «مُمَدَّح» إلَّا لمن تكرَّر منه الفعلُ مرَّةً بعدَ أُخرى (وَأَحْمَدُ) منقولٌ مِنَ الصِّفة التي معناها التفضيل؛ ومعناه: أنَّه أحمدُ الحامدين لربِّه، وهي صيغةٌ تُنبئُ عنِ الانتهاء إلى غايةٍ ليس وراءَها منتهى، والاسمانِ اشتُقا من(2) أخلاقه المحمودة التي لأجلها استَحَقَّ أنْ يُسمَّى بهما، قال الأعشى يمدح بعضَهم:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .                     إلى المــاجـــدِ الفَـــرْعِ(3) الجـــوادِ المحمَّدِ
          أي: الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة، أو هو من اسمه تعالى «المحمود»، كما قال حسان:
وشـقَّ له مـن اسمـه لـيُــجــلَّـه                     فذو العـرش مـحـمـودٌ وهــذا محمَّدُ
          وهل سُمِّيَ بـ «أحمد» قبل «محمَّد» أو بـ «محمَّد» قبلُ؟ قال عياض بالأَوَّل(4)، لأنَّ «أحمد» وقع في الكتب السابقة(5)، و«محمَّدًا» في القرآن، وذلك أنَّه حَمِدَ ربَّه قبل أن يحمدَه الناس، وإليه ذهب(6) السُّهيليُّ وغيرُه، وقال بالثاني ابنُ القيِّم، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”وأنا أحمد“ (وَأَنَا المَاحِي) بالحاء المهملة، أي(7): (الَّذِي(8) يَمْحُو اللهُ بِي الكُفْرَ) أي: يزيله(9)، لأنَّه بُعِثَ والدنيا مظلمةٌ بغياهب الكفر، فأتى النَّبيُّ(10) صلعم بالنور الساطع حتى محاه، وقيل(11): ولمَّا كانتِ البحار هي الماحيةَ للأدرانِ، كان اسمُه(12) صلعم فيها الماحي (وَأَنَا الحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ) يومَ القيامة (عَلَى قَدَمِي) بكسر الميم، أي: على أَثَري، لأنَّه أوَّلُ مَن تنشقُّ عنه الأرض، وفي رواية نافعِ بنِ جُبير: «وأنا حاشرٌ بُعثتُ مع الساعة» (وَأَنَا العَاقِبُ) لأنَّه جاء عقب الأنبياء فليس بعدَه نبي.
          وفي الباب عن نافعِ بنِ جُبير وأبي موسى الأشعريِّ وحذيفةَ وابنِ عبَّاسٍ وأبي الطفيل، وفيها زياداتٌ على حديث الباب؛ ففي رواية نافع بن جبير: أنَّها سِتَّة، فذكر الخمسةَ التي في حديث الباب، وزاد: «الخاتم» رواه ابن سعد، وفي حديث حذيفة: «أحمد ومحمَّد والحاشر والمقفى ونبي الرحمة» رواه الترمذي وابن سعد، وقد جمعت من أسمائه في كتابي «المواهب اللدنية بالمنح المحمَّدية» أكثر من أربع مئة مرتبة على حروف المعجم.
          وهذا الحديث أخرجه أيضًا في «التفسير» [خ¦4896]، ومسلمٌ في «فضائل النبي صلعم».


[1] في غير (د) و(س): «فقيل».
[2] زيد في (د): «أعمِّ».
[3] في (د): «القرم»، وكلاهما جاء في الرواية.
[4] في غير (د): «بالأُولى».
[5] في (د): «السالفة».
[6] في غير (د) و(س): «يذهب».
[7] «أي»: ليس في (د) و(ب).
[8] «الذي» سقط في (م).
[9] في (د) و(ص) و(م): «أزاله»، و«أي»: ليس في (د).
[10] «النبي»: مثبت من (د).
[11] «وقيل»: ليس في (د) و(م).
[12] «اسمه»: ليس في (د) و(م)، ووقع في (ص) قبل قوله: «فيها الماحي».