إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل

          3301- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) عبد الله بن ذكوان (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بن هرمز (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: رَأْسُ الكُفْرِ نَحْوَ المَشْرِقِ) يُنصَب(1) «نحوَ» لأنَّه ظرفٌ، وهو مستقرٌّ في محلِّ رفع خبر المبتدأ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”قِبَل المشرق“ أي: أكثر الكفرة من جهة المشرق، وأعظم أسباب الكفر منشؤه منه، ومنه يخرج الدَّجَّال. قال في «الفتح»: وفي ذلك إشارةٌ إلى شدَّة كفر المجوس، لأنَّ مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنِّسبة إلى المدينة، وكانوا في غاية القوَّة والتَّكبُّر والتَّجبُّر، حتَّى مزَّق مَلِكُهم كتابَ النَّبيِّ صلعم إليه، واستمرَّت الفتن من قِبَل المشرق (وَالفَخْرُ) بالخاء المعجمة؛ كإعجاب النَّفس (وَالخُيَلَاءُ) بضمِّ الخاء المعجمة وفتح التَّحتيَّة ممدودًا(2)، الكِبْر واحتقار الغير (فِي أَهْلِ الخَيْلِ وَالإِبِلِ وَالفَدَّادِينَ) بفتح الفاء والدَّال المشدَّدة المهملة _وحُكِي تخفيفها_ وبعد الألف أخرى مُخفَّفةٌ مكسورةٌ. قال في «القاموس»: الفدَّاد: مالك المئين من الإبل إلى الألف، والمتكبِّر، والجمع: الفدَّادون، وهم أيضًا: الجمَّالون والرُّعيان والبقَّارون والحمَّارون والفلَّاحون وأصحاب الوبر(3)، والَّذين تعلو أصواتهم في حروثهم‼ ومواشيهم، والمكْثِرون من الإبل، وقال الخطَّابيُّ: إن رويتَه بتشديد الدَّال فهو جمع فدَّادٍ، وهو الشَّديد الصَّوت، وذلك من دأب أصحاب الإبل، وإن رويتَه بتخفيفها فهو جمع الفدَّان(4)، وهو آلة الحرث البقر، وعلى هذا فالمراد: أصحاب الفدادين، فهو على حذف مضافٍ، وإنَّما ذمَّ ذلك لأنَّه يشغل عن أمر الدِّين ويلهي عن الآخرة، وذلك يفضي إلى قساوة القلب، وقال القرطبيُّ: ليس في رواية الحديث إلَّا التَّشديد، وهو الصَّحيح على ما قاله الأصمعيُّ وغيره، وقال ابن فارسٍ: في الحديث: «الجفاء والقسوة في الفدادين»[خ¦3498] أي: أصحاب الحروث والمواشي (أَهْلِ الوَبَرِ) بفتح الواو والموحَّدة، بيانٌ للفدَّادين. أي: ليسوا من أهل الحضر. بل من أهل البدو، وقال في «القاموس»: المَدَر _مُحرَّكةً_: المدن والحضر. (وَالسَّكِينَةُ) بفتح السِّين وتخفيف الكاف، وفي «القاموس»: بكسرها _مُشدَّدةً_: الطَّمأنينة. وقال ابن خالويه: السَّكينة: مصدر سكن سكينةً، وليس في المصادر له شبيهٌ إلَّا قولهم: عليه ضريبةٌ، أي: خراجٌ معلومٌ (فِي أَهْلِ الغَنَمِ) لأنَّهم في الغالب دون أهل الإبل في التَّوسُّع والكثرة، وهما من سبب الفخر والخيلاء. وفي حديث أمِّ هانئٍ المرويِّ في «ابن ماجه»: أنَّ النَّبيَّ صلعم قال لها: «اتَّخذي الغنم فإنَّ فيها بركةً».


[1] في (د): «بنصب».
[2] في (د): «ممدودٌ».
[3] «وأصحاب الوبر»: مثبتٌ من (ب) و(س)، وكذا في «القاموس».
[4] في (د): «الفداد» وهو تحريفٌ.