إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا

          3137- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) هو ابن المدينيِّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَةَ (قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُنْكَدِرِ) بن عبد الله بن الهُدَير _بالتَّصغير_ التَّيميُّ المدنيُّ (سَمِعَ جَابِرًا) الأنصاريَّ ( ☺ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَوْ قَدْ جَاءَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”جاءنا“ بالجمع، ولابن عساكر: ”جاء“ (مَالُ البَحْرَيْنِ) أي: من جهة الجزية (لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ) وسقط لأبي ذرٍّ «لقد»، وللحَمُّويي والمُستملي: ”أُعطِيك(1)“ بضمِّ الهمزة وكسر الطَّاء وحذف الفوقيَّة (هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) ثلاثًا (فَلَمْ يَجِئْ) مال البحرين (حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلعم ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ البَحْرَيْنِ)(2) من عند العلاء بن الحضرميِّ (أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ / (مُنَادِيًا) قيل: إنَّه بلالٌ (فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلعم دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ) بكسر العين وتخفيف الدَّال المُهمَلة، أي: وعدٌ (فَلْيَأْتِنَا) نَفِ له به (فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: لِي كَذَا وَكَذَا. فَحَثَا لِي) _بالمُهمَلة والمُثلَّثة_ أبو بكرٍ ☺ (ثَلَاثًا، وَجَعَلَ سُفْيَانُ) بن عُيَيْنَةَ (يَحْثُو بِكَفَّيْهِ) بالتَّثنية(3) (جَمِيعًا) هذا يقتضي أنَّ الحثْيَة ما يُؤخَذ باليدين جميعًا، والَّذي قاله أهل اللُّغة: إنَّ الحثية ما يملأ الكفَّ، والحفنة ما يملأ الكفَّين، لكن ذكر الهرويُّ: أنَّ الحثية والحفنة بمعنًى، وهذا الحديث شاهدٌ لذلك (ثُمَّ قَالَ لَنَا) أي: سفيان بالسَّند السَّابق: (هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ المُنْكَدِرِ) محمَّدٌ (وَقَالَ) أي: سفيان أيضًا بالسَّند السَّابق(4) (مَرَّةً: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَسَأَلْتُ) بحذف ضمير المفعول، ولأبي الوقت: ”فسألته“ (فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ(5) الثَّالِثَةَ فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي) ثلاثًا (فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ) بفتح أوَّله وسكون المُوحَّدة (عَنِّي) أي: من جهتي، ولأبي الوقت من غير «اليونينيَّة»: ”عليَّ“ (قَالَ) أي(6): أبو بكرٍ ☺ : (قُلْتَ): بتاء المخاطبة لجابرٍ (تَبْخَلُ عَلَيَّ؟!) ولأبي ذرٍّ وابن عساكر: ”عنِّي“ (مَا مَنَعْتُكَ) أي: من العطاء (مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ) ومنعه هذا _لعلَّه_ لئلَّا يحرص على الطَّلب، أو لئلَّا يزدحم النَّاس عليه، فلم يقصد المنع الكلِّيَّ.
          (قَالَ سُفْيَانُ) بن عيينة بالسَّند السَّابق: (وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو) _بفتح العين_ ابن دينارٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) أي: ابن الحُسَين بن عليٍّ (عَنْ جَابِرٍ) ☺ (فَحَثَا لِي) أي: أبو بكرٍ ☺ (حَثْيَةً) بفتح الحاء من: حثى‼ يحثي، ويجوز حثوةً من: حثا يحثو، وهما لغتان (وَقَالَ: عُدَّهَا) أي: فعددتها (فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِئَةٍ، قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”مثليها“ بالتَّثنية. قال سفيان: (وَقَالَ _يَعْنِي: ابْنَ المُنْكَدِرِ_: وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ البُخْلِ؟!) وهذا يشعر بأنَّه من كلام ابن المنكدر، لكن في «مُسنَد الحميديِّ» عن سفيان في هذا الحديث: «وقال ابن المنكدر في حديثه» ففيه اتِّصال ذلك إلى أبي بكرٍ، و«أدوأ» بالهمزة(7) على الصَّواب أي: أقبح، والمحدِّثون يروونه: «أَدْوَى» بغير همزٍ، وهو من «دَوَى» إذا كان به مرضٌ في جوفه، فيُحمَل على أنَّهم سهَّلوا الهمزة.
          وهذا الحديث قد سبق بعضه(8) في «الهبة» [خ¦2598] وغيرها.


[1] في (م): «أعطك» وهو تحريفٌ.
[2] زيد في (ب): «أي».
[3] في (د): «بالمثلَّثة».
[4] «السَّابق»: ليس في (ص) و(م).
[5] في (ص): «سألته» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[6] «أي»: ليس في (د).
[7] في (ب) و(س): «بالهمز».
[8] في (ص): «ببعضه».