إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين

          3131- 3132- وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ عُفَيْرٍ) اسم أبيه كثيرٌ، ونسبه لجدِّه(1) «عُفَيرٍ» _بضمِّ العين، مُصغَّرًا_ لشهرته به (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد أيضًا (عُقَيْلٌ) بضمِّ العين، ابن خالدٍ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريِّ أنَّه (قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ) بن الزُّبير بن العوَّام، والواو في «وزعم» قال في «الفتح»: معطوفٌ(2) على قصَّة الحديبية، ولم أدرك وجهه(3)، وفي «كتاب الأحكام» [خ¦7176] [خ¦7177] عن موسى بن عقبة، قال(4) ابن شهابٍ: حدَّثني عروة بن الزُّبير: (أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الحَكَمِ) لم يصحَّ له سماعٌ من النَّبيِّ صلعم ولا صحبة (وَمِسْوَرَ) ولأبي ذرٍّ: ”والمسورَ“ (بْنَ مَخْرَمَةَ) له ولأبيه صحبةٌ، لكنَّه إنَّما قدم وهو صغيرٌ مع أبيه بعد الفتح (أَخْبَرَاهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ(5) صلعم قَالَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ) حال كونهم (مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ) وعند الواقديِّ: «كان فيهم أبو بَرْقان السَّعديُّ فقال: يا رسول الله، إنْ في هذه الحظائر إلَّا أمَّهاتُك وخالاتُك وحواضنك ومرضعاتك، فامنن علينا منَّ الله / عليك»، وفي شعر زهير بن صُرَدٍ ممَّا رويناه في «المعجم الصَّغير» للطَّبرانيِّ:
اُمنن على نسوةٍ قد كنتَ تَرضَـِعُها                      إذ فوك تملؤه من مَحْضِها الدِّررُ
(فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَحَبُّ الحَدِيثِ إِلَيَّ) «أَحَبُّ» مبتدأٌ خبرُه قوله: (أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا) أن أردَّ إليكم (إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ: إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا المَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ) أي: انتظرت (بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم انْتَظَرَهُمْ) ولغير الكُشْميهَنيِّ: ”انتظر آخرهم“ (بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً) لم يقسم السَّبي، وتركه بالجِعرَانة (حِينَ قَفَلَ) أي: رجع (مِنَ الطَّائِفِ) إلى الجِعرَانة، وقسم الغنائم بها، وكان توجَّه إلى الطَّائف فحاصرها(6)، ثمَّ رجع عنها، فجاءه وفد هوازن‼ بعد ذلك، فبيَّن لهم أنَّه أخَّر القسم(7) ليحضروا فأبطؤوا (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ) أي: ظهر لوفد هوازن (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) المال أو السَّبي (قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم فِي المُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ) وفد هوازن (هَؤُلَاءِ قَدْ جَاؤُوْنَا) حال كونهم (تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ) بضمِّ أوَّله وفتح الطَّاء وتشديد التَّحتيَّة المكسورة، أي: يطيِّب نفسه بدفع السَّبي مجَّانًا من غير عوضٍ (فَلْيَفْعَلْ) جواب الشَّرط (وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ) من السَّبي (حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ) أي: عوضه (مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ) بضمِّ حرف المضارعة من «أفاء» (فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ لَهُمْ) ولأبي ذرٍّ: ”قد(8) طيَّبنا ذلك لرسول الله صلعم “ أي: لأجله (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِنَّا لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ) أراد بذلك التَّقصِّي عن أمرهم استطابةً لنفوسهم (فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا) ذلك (فَأَذِنُوا) بالفاء، ولأبي ذرٍّ: ”وأذنوا“ أي: له ╕ أن يردَّ السَّبي إليهم. قال ابن شهاب: (فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ).
          وهذا الحديث قد مرَّ في «الوكالة» [خ¦2307] [خ¦2308] و«العتق» [خ¦2539] [خ¦2540].


[1] في (د): «إلى جدِّه».
[2] في (ب) و(س): «عطفٌ».
[3] يقصد الحديث [خ:4180] فما حدَّثنا به عروة هنا هو تتمة لما حدّثنا به عن الحديبية، والله تعالى أعلم.
[4] «قال»: مثبتٌ من (د) و(س).
[5] في (م): «النَّبيَّ» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيِّة».
[6] في (د): «فحاصرهم» وفي نسخةٍ كالمثبت.
[7] في (د): «قسمه».
[8] «قد»: مثبتٌ من (ب) و(س).