إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث علي: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر

          3091- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جَبَلة الأزديُّ المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بن يزيد الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ: أَنَّ) أباه (حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ♂ ) وفي نسخةٍ: ” ☻ “ (أَخْبَرَهُ: أَنَّ) أباه (عَلِيًّا) ☺ (قَالَ: كَانَتْ) ولابن عساكر: ”كان“ (لِي شَارِفٌ) بالشِّين المُعجَمة آخره فاءٌ، مُسِنَّةٌ من النُّوق (مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلعم أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الخُمُسِ) أي: الَّذي حصل من سريَّة عبد الله بن جحش، وكانت في رجبٍ من السَّنة الثَّانية قبل بدرٍ بشهرين، وكان ابن جحشٍ قال لأصحابه: إنَّ لرسولِ الله صلعم ممَّا غَنِمْنا الخُمُسَ _وذلك قبل أن يُفرَض(1)_ فعَزَلَ له الخُمُس، وقَسَّمَ سائر الغنيمة بين أصحابه، فوقع رضا الله تعالى بذلك؛ كذا قرَّره ابن بطَّالٍ، وتبعه ابن الملقِّن محتجَّين بما نقلاه من اتِّفاق أهل السِّيَر: أنَّ الخمس لم يكن يوم بدرٍ، وعن إسماعيل القاضي في «غزوة بني قريظة» أنَّه قيل: إنَّه أوَّل يومٍ فُرِض فيه الخُمُس، وجاء صريحًا في غنائم حُنَينٍ، وهي آخر غنيمةٍ حضرها النَّبيُّ صلعم ، ويعارض هذا قوله في «غزوة بدر» من «المغازي» [خ¦4003] من البخاريِّ: «وكان النَّبيُّ صلعم أعطاني ممَّا أفاء الله عليه من الخُمُس يومئذٍ» إذ ظاهره أنَّ الفيءَ الَّذي أعطاه منه كان(2) يوم بدر، وقد ثبت أنَّه وقع في الغنيمة الَّتي قبل بدرٍ ورضي الله بذلك، فكيف يثبته هناك وينفيه في(3) يوم بدرٍ، مع أنَّ سورة الأنفال الَّتي فيها التَّصريحُ بفرض الخُمُس نزل غالبها في قصَّة بدرٍ، وقد جزم الدَّاوديُّ الشَّارح بأنَّ آية الخُمُس نزلت يوم بدرٍ، وقال السُّبكيُّ: نزلت في بدرٍ وغنائمها، قال عليٌّ ☺ : (فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: أدخل بها (وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا)‼ بفتح الصَّاد المُهمَلة وتشديد الواو، ولم يُسَمَّ (مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعٍَ) بفتح القافين(4) وضمِّ النُّون وقد تُفتَح وتُكسَر، غير منصرفٍ ويجوز صرفه، قبيلةٌ من اليهود، قاله الكِرمانيُّ، وقال في «القاموس»: شِعْبٌ من اليهود كانوا بالمدينة (أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي(5) فَنَأْتِيَ / بِإِذْخِرٍ) بكسر الهمزة وذالٍ مُعجَمةٍ، حشيشةٍ طيِّبة الرَّائحة (أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ) بالنَّصب عطفًا على «أبيعه» أي: أستعين بثمنه (فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي) بضمِّ العين المُهمَلة، قال الجوهريُّ: العُرسُ _يعني: بضمِّ العين_ طعامُ الوليمة، وأَعْرَسَ الرَّجل إذا بنى بأهله، وكذلك إذا غشيها، وفي «القاموس» نحوه، وبكسر العين: امرأة الرَّجل، والوليمة: طعام الزِّفاف، وحينئذٍ فينبغي كسر العين، أي: طعام وليمة المرأة، وإلَّا فيصير المعنى: طعام وليمة(6) وليمتي، وإنَّما سُمِّي طعام(7) الوليمة المعمول عند العرس عرسًا باسم سببه (فَبَيْنَا) بغير ميمٍ (أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ) جمع قَتَبٍ، وهو معروفٌ (وَالغَرَائِرِ) بالغين المعجمة والرَّاء المُكرَّرة، جمع غرارةٍ: ما يُوضَع فيها الشَّيء من التِّبن وغيره (وَالحِبَالِ، وَشَارِفَايَ) مبتدأٌ خبرُه (مُنَاخَانِ) وللأربعة: ”مُناختان“ بزيادة فوقيَّةٍ بعد الخاء، فالتَّذكير باعتبار لفظ شارفٍ، والتَّأنيث باعتبار معناه، والمعنى: مُبرَكان(8) (إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ) لم يقف الحافظ ابن حجرٍ على اسمه (رَجَعْتُ) ولأبوي ذرٍّ والوقت وابن عساكر: ”فَرَجَعْتُ“ (حِينَ(9) جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ) أي: من الأقتاب وغيرها (فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ أُجِبَّ) بهمزةٍ مضمومةٍ وجيمٍ مكسورةٍ ومُوحَّدةٍ مُشدَّدةٍ، وفي «اليونينيَّة» مُصلَّحٌ: ”قد أُجِتُبَّ“ بضمِّ الهمزة وكسر(10) الجيم وضمِّ الفوقيَّة وتشديد المُوحَّدة، مُصحَّحٌ عليها علوًا وسفلًا فليُتأمَّل ويُحرَّر، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”(11)جُبَّت“بحذف الهمزة وضمِّ الجيم، أي: قُطِعت (أَسْنِمَتُهُمَا) بالرَّفع نائبٌ(12) عن الفاعل (وَبُقِرَتْ) بضمِّ المُوحَّدة وكسر القاف، أي: شُقَّت (خَوَاصِرُهُمَا) بالرَّفع أيضًا كذلك (وَأُخِذَ) بضمِّ الهمزة (مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”ولم“ (أَمْلِكْ عَيْنَيَّ) من البكاء (حِينَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”حيث“ (رَأَيْتُ ذَلِكَ المَنْظَرَ مِنْهُمَا) بفتح الميم والظَّاء المُعجَمة، وسقط لفظ «منهما» في رواية ابن عساكر، وإنَّما بكى عليٌّ ☺ خوفًا من تقصيره في حقِّ فاطمة ♦ ، أو في تأخير الابتناء بها، لا لمجرَّد فوات النَّاقتين (فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا) الجَبَّ والبَقْرَ والأخذَ؟ (فَقَالُوا: فَعَلَ) أي: ذلك (حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ‼، وَهْوَ فِي هَذَا البَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ) بفتح الشِّين المُعجَمة وسكون الرَّاء، جماعةٍ يجتمعون على شُرْب الخمر، اسم جمعٍ عند سيبويه، وجمع شاربٍ عند الأخفش (فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَُ) بالرَّفع والنَّصب، ورجَّح ابن مالكٍ النَّصب، وعبَّر بصيغة المضارعة مبالغةً في استحضار صورة الحال، وإلَّا فكان الأصل أن يقول: حتَّى دخلت (عَلَى النَّبِيِّ صلعم وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلعم فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ) مِن فعلِ(13) حمزة ☺ (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : مَا لَكَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهَ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ) أي: أفظع (عَدَا) بالعين والدَّال المُهمَلتين (حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ) بفتح الفوقيَّة وتشديد التَّحتيَّة، تثنية ناقةٍ (فَأَجَبَّ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”فجبَّ“ (أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ) بفتح الشِّين، جماعةٌ يجتمعون لشُرب الخمر (فَدَعَا النَّبِيُّ صلعم بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى) به (ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي، وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ) في الدُّخول (فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، فَطَفِقَ) بكسر الفاء الثَّانية، أي: جعل (رَسُولُ اللهِ صلعم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ) بشارِفَي عليٍّ (فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ) بفتح المُثلَّثة وكسر الميم آخره لامٌ(14)، أي: سكر حال كونه (مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ) بسبب ذلك (فَنَظَرَ حَمْزَةُ) ☺ (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ) بفتح الصَّاد والعين المُشدَّدة المهملتين، أي: رفعه (فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”ركبتيه“ بالتَّثنية (ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ(15) إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لأَبِي؟) أي: كعبيدٍ له، يريد _والله أعلم_ أنَّ عبد الله وأبا طالبٍ كانا(16) كأنَّهما عبدان لعبد المطَّلب في الخضوع لحرمته، والجدُّ يُدعَى سيِّدًا، وأنَّه أقرب إليه منهما، فأراد الافتخار عليهم بذلك (فَعَرَفَ رَسُولُ اللهِ(17) صلعم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ) أي: سكر (فَنَكَصَ) أي: رجع (رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَى / عَقِبَيْهِ) _بالتَّثنية_ رجوع (القَهْقَرَى) بأن مشى إلى خلفٍ ووجهه لحمزة؛ خشية أن يزداد عبثه في حال سكره فينتقل من القول إلى الفعل، فأراد أن يكون ما يقع منه بمرأًى منه؛ ليدفعه إن وقع منه شيءٌ.
          (وَخَرَجْنَا مَعَهُ) صلعم ، وكان ذلك قبل تحريم الخمر كما في رواية ابن جريجٍ عن ابن شهابٍ في «الشُّرب» [خ¦2375] ولذا لم يؤاخذ ◙ حمزة بقوله، ومن تداوى بمُباحٍ، أو شرب لبنًا‼، أو أكل طعامًا فسكر فقذف غيره فهو كالمجنون والمُغمَى عليه والصَّبيِّ، يسقط عنهم حدُّ القذف وسائر الحدود غير إتلاف الأموال؛ لرفْع القلم عنهم، فمن سَكِرَ من حلالٍ فحكمه حكم هؤلاء، وحكى الطَّحاويُّ الإجماع على أنَّ من سَكِرَ من ذلك لا(18) طلاقَ عليه، وهو مذهبنا أيضًا، حتَّى لو سَكِرَ مُكرَهًا عندنا فكذلك، وأمَّا ضمان إتلاف النَّاقتين فضمانهما لازمٌ لحمزة لو طالبه عليٌّ به؛ إذ العلماء متَّفقون على أنَّ جنايات الأموال لا تسقط عن المجانين وغير المُكلَّفين، ويلزمهم(19) ضمانها في كلِّ حالٍ كالعقلاء، وعند ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عيَّاشٍ «أنَّ النَّبيَّ صلعم أغْرَمَ حمزة ثمنَ النَّاقتين».
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «أعطاني شارفًا من الخُمُس» وقد سبق في «كتاب الشرب» [خ¦2375].


[1] زيد في غير (د) و(م): «الخُمُس».
[2] زيد في (ص): «في».
[3] «في»: ليس في (ص).
[4] في (د): «القاف».
[5] «معي»: سقط من (د).
[6] زيد في (م): «المرأة»، ولعلَّه تكرارٌ.
[7] في (س) و(ص): «الطَّعام».
[8] في (د): «مبروكان».
[9] في (ص): «حيث»، وهو تصحيفٌ.
[10] في (د): «وبكسر»، وهي في «اليونينية» ساكنةٌ، والهمزة وصل فيها.
[11] زيد في (م): «قد».
[12] في غير (د) و(ص) و(م): «نائبًا».
[13] في (م): «قِبَل».
[14] «آخره لامٌ»: ليس في (د).
[15] زيد في (ب) و(د1) و(س): «حمزة».
[16] «كانا»: ليس في (م).
[17] في (م): «النَّبيُّ» والمثبت موافق لما في «اليونينيَّة».
[18] في (ب): «إلَّا» وهو تحريفٌ.
[19] في (م): «يلزم».