إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين والله المعطي

          3116- وبه قال: (حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوْسَى) بكسر الحاء المُهمَلة، وتشديد المُوحَّدة المروزيُّ، وسقط «ابن موسى» لغير أبي ذرٍّ، قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك المروزيُّ (عَنْ يُونُسَ) بن يزيد، الأيليِّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بضمِّ الحاء مُصغَّرًا، ابن عوفٍ _أحد العشرة المُبشَّرة بالجنة(1)_ القرشيِّ الزُّهريِّ (أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان ☺ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”يقول“: (قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا) بالتَّنكير في سياق الشَّرط، وهو كالنَّكرة في سياق النَّفي(2) فيعمُّ، أي: من يُرِدَ اللهُ به جميع الخيرات(3) (يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ) فأعطي كلَّ واحدٍ ما يليق به، وفي «باب من يرد الله به خيرًا يفقِّهه في الدِّين» من «كتاب العلم» [خ¦71]: «وإنَّما(4) أنا قاسمٌ» بأداة الحصر. واستُشكِل من حيث إنَّ معناه: ما أنا إلَّا قاسمٌ، وكيف يصحُّ وله صفاتٌ أخرى كالرَّسول والمبشِّر والنَّذير(5)؟ وأُجيب بأنَّ الحصر إنَّما هو بالنِّسبة إلى اعتقاد السَّامع، وهذا ورد في مقامٍ كان السَّامع معتقدًا كونه معطيًا، فلا ينفي(6) إلَّا ما اعتقده السَّامع، لا كلَّ صفةٍ من الصِّفات، وحينئذٍ إن اعتقد أنَّه مُعْطٍ لا قاسمٌ، فيكون من باب قصر القلب، أي: ما أنا إلَّا قاسمٌ، أي: لا مُعْطٍ، وإن اعتقد أنَّه قاسمٌ ومُعْطٍ أيضًا؛ فيكون من قصر الإفراد، أي: لا شركة في الوصفين بل أنا قاسمٌ فقط (وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ) أي: القيامة (وَهُمْ ظَاهِرُونَ) وفيه: بيانُ أنَّ هذه الأمَّة آخر الأمم، وأنَّ عليها تقوم السَّاعة، وإن ظهرت أشراطها وضعف الدِّين فلا بدَّ أن يبقى من أمَّته من يقوم به.
          وهذا الحديث سبق في «العلم» [خ¦71].


[1] «بالجنَّة»: مثبت من (م).
[2] «وهو كالنَّكرة في سياق النَّفي»: ليس في (س).
[3] قال السندي في «حاشيته» معقبًا على كلام القسطلاني هذا: فيه أنَّ النَّكرة في سياق النَّفي أو الشَّرط لا تعمُّ بهذا الوجه، أي: بأن يُراد بها جميع الأفراد مرَّةً واحدةً، وإنَّما يعمُّ بمعنى: من يرد الله به خيرًا أيّ خير كان، كما يقال: ما جاءني رجلٌ، أي: أحدٌ من الرِّجال، وأيضًا: من يرد الله به جميع الخيرات يفقهه في الدِّين يفيدُ أنَّ حيازة جميع الخيرات لا تتمُّ بلا فقهٍ في الدِّين، وهذا قليلُ الجدوى فإنَّه أمرٌ ظاهرٌ، ولا يفيد أنَّ التفقُّه في الدِّين لبيان كيفيَّة إعطاء جميع الخيرات الَّذي يتضمَّنه الشَّرط والجزاء، قد يقصد به ذلك، كما يقال: إذا أردت الوضوء فاغسل وجهك، ونحوه، والله تعالى أعلم.
[4] زيد في (ص): «قال» وليس بصحيحٍ.
[5] في (د): «والمنذر».
[6] في (ب) و(ص): «يبقى».