إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تحته ثم تقرصه بالماء وتنضحه وتصلي فيه

          227- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى) بفتح النُّون، المعروف بالزَّمِن (قَالَ: حَدَّثَنَا(1) يَحْيَى) ابن سعيد القطَّان (عَنْ هِشَامٍ) هو ابن عروة بن الزُّبير (قَالَ: حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ) أي: زوجته بنت المنذر بن الزُّبير (عَنْ) ذات النِّطاقين (أَسْمَاءَ) بنت أبي بكر الصِّدِّيق، أمِّ عبد الله بن الزُّبير(2) من المهاجرات، وكانت تُسمَّى: ذات النِّطاقين لِمَا ذُكِرَ في حديث «الهجرة» [خ¦3905] أسلمت بعد سبعة عشر إنسانًا _فيما(3) قاله ابن إسحاق_ وهاجرت بابنها عبد الله، وكانت عارفةً بتعبير الرُّؤيا حتَّى قِيلَ: أخذ ابن سيرين التَّعبير عن ابن المُسَيَّب، وأخذه ابن المُسَيَّب عن أسماء، وأخذته أسماء عن أبيها، وهي آخر المهاجرات وفاةً، تُوفِّيت في جمادى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين بمكَّة بعد ابنها عبد الله بأيَّامٍ، بلغت مئة سنةٍ لم يسقط لها سنٌّ ولم يُنكَر لها عقلٌ، لها في «البخاريِّ» ستَّة عشر حديثًا ♦ أنَّها (قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ(4)) وللأربعة: ”إلى النَّبيِّ(5)“ ( صلعم ) والمرأة هي أسماء كما وقع في رواية الإمام الشَّافعيِّ بإسنادٍ صحيحٍ على شرط الشَّيخين، عن سفيان بن عيينة عن هشامٍ، ولا يبعد أن يبهم الرَّاوي اسم نفسه (فَقَالَتْ: أَرَأَيْتَ) يا رسول الله (إِحْدَانَا تَحِيضُ) حال كونها (فِي الثَّوْبِ) ومن ضرورة ذلك غالبًا وصول الدَّم إليه، وللمؤلِّف من طريق مالكٍ عن هشامٍ [خ¦307]: «إذا أصاب ثوبها الدَّم من الحيضة»، وأطلقت الرُّؤية وأرادت الإخبار لأنَّها سببه، أي: أخبِرني، والاستفهام بمعنى الأمر بجامع الطَّلب (كَيْفَ تَصْنَعُ) به؟ (قَالَ) ╕ ، وللأَصيليِّ: ”فقال“: (تَحُتُّهُ) بضمِّ الحاء، أي: تفركه (ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالمَاءِ) بفتح المُثنَّاة الفوقيَّة(6) وإسكان القاف وضمِّ الرَّاء والصَّاد المُهمَلتين، أي: تفرك الثَّوب وتقلعه بدلكه بأطراف أصابعها أو بظفرها، مع صبِّ الماء عليه، وفي روايةٍ: ”تقرِّصه“ بتشديد الرَّاء المكسورة، قال أبو عبيدٍ: معنى التَّشديد: تقطعه (وَتَنْضَحُهُ) بفتح الأوَّل والثَّالث لا بكسره، وقال الكِرمانيُّ بكسرها، وكذا قال مغلطاي، قال العينيُّ: وهو غلطٌ، وقال في «المصابيح» بكسرها، وحكى فتحها، ويُقال: إنَّ أبا حيَّان قرأ في بعض المجالس الحديثيَّة: «وانضَحْ فرجك» بفتح الضَّاد، فردَّ عليه السِّراج الدَّمنهوريُّ وقال: نصَّ النَّوويُّ على أنَّه بالكسر، فقال أبو حيَّان: حقُّ النَّوويِّ أن يستفيد هذا منِّي، والذي قلت هو القياس، وكلام الجوهريِّ يشهد للنَّوويِّ، لكن نُقِلَ عن صاحب «الجامع» أنَّ الكسر لغةٌ، وأنَّ الأفصح الفتح(7)، أي: تغسله بأن تصبَّ عليه الماء قليلًا قليلًا، قال الخطَّابيُّ: تَحُتُّ المتجسِّد من الدَّم لتزول عينه‼، ثمَّ تقرصه بأن تقبض عليه بأصابعها(8) ثمَّ تغمزه غمزًا(9) جيِّدًا، وتدلكه حتَّى ينحلَّ ما تشرَّبه من الدَّم، ثمَّ تنضحه، أي: تصبُّ عليه، و«النَّضح» هنا: الغسل حتَّى يزول الأثر، وفي نسخةٍ: ”ثمَّ تنضحه“ (وَتُصَلِّي فِيهِ) ولابن عساكر: ”ثمَّ تصلِّي فيه“، وفي الحديث: تعيين الماء لإزالة جميع النَّجاسات دون غيره من المائعات؛ إذ لا فرق بين الدَّم وغيره، وهذا قول الجمهور خلافًا لأبي حنيفة وصاحبه أبي يوسف حيث قالا: يجوز(10) تطهير النَّجاسة بكلِّ مائعٍ طاهرٍ لحديث عائشة: «ما كان لإحدانا إلَّا ثوبٌ واحدٌ تحيض فيه، فإذا أصابه شيءٌ من دم الحيض قالت بريقها فمصعته بظفرها»، فلو كان الرِّيق لا يطهِّر لزادت النَّجاسة، وأُجيب بأنَّها أرادت بذلك تحليل أثره، ثمَّ أزالته، أي: غسلته بعد ذلك، وفيه: أنَّ قليل(11) دم الحيض لا يُعفى عنه كسائر النَّجاسات بخلاف سائر الدِّماء، وعن مالكٍ: يُعفَى عن قليل الدَّم ويُغسَل قليل غيره من النَّجاسات، وعن الحنفيَّة: يُعفَى عن قدر الدِّرهم.
          ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مكيٍّ ومدنيٍّ، وفيه: التَّحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «الصَّلاة» و«البيوع»، وأبو داود والتِّرمذيُّ وابن ماجه في «الطَّهارة».


[1] في (ص): «حدَّثني».
[2] «ابن الزُّبير»: سقط من (د).
[3] في (ب) و(س): «كما».
[4] في (د): «للنَّبيِّ».
[5] في (ص) و(م): «للنَّبيِّ».
[6] في (ج): «التحتية».
[7] قوله: «وقال الكِرمانيُّ: بكسرها، وكذا... وأنَّ الأفصح الفتح» مثبتٌ من (م).
[8] في غير (د) و(م): «بإصبعها».
[9] في غير (م): «تغمره غمرًا»، ولعلَّه تصحيفٌ.
[10] في (ب) و(س): «بجواز».
[11] زيد في (ص): «الدَّم من».