إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره

          ░36▒ (بابُ قِرَاءَةِ القُرْآنِ) العظيم (بَعْدَ الحَدَثِ) الأصغر (وَغَيْرِهِ) أي: غير قراءة القرآن ككتابة القرآن، وهذا شاملٌ للقوليِّ والفعليِّ، وتمثيل الكِرمانيِّ بالذِّكر والسَّلام ونحوهما لا وجه له لأنَّه إذا جاز للمُحْدِث قراءة القرآن فالسَّلام والذِّكر ونحوهما بطريق الأَوْلى، وقول الحافظ ابن حجرٍ: قوله: وغيره من مظانِّ الحدث، تعقَّبه العينيُّ بأنَّ الضَّمير لا يعود إِلَّا على(1) مذكورٍ لفظًا أو تقديرًا بدلالة القرينة اللَّفظية أوِ الحاليَّة، وبأنَّ مظنَّة الحدث على نوعين مثل الحدث، والآخر ليس مثله، فإن أراد الأوَّل فهو داخلٌ في قوله: «بعد الحدث»، أوِ الثَّاني فهو خارجٌ عنه، وحينئذٍ فلا وجه لِما قاله على ما لا يخفى. انتهى.
          (وَقَالَ مَنْصُورٌ) هو ابن المعتمر السُّلميُّ الكوفيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن يزيد النَّخعيِّ الكوفيِّ الفقيه، ممَّا وصله سعيد بن منصورٍ عن أبي عَوانة: (لَا بَأْسَ بِالقِرَاءَةِ) للقرآن (فِي الحَمَّامِ) خصَّه بالذِّكر(2) لأنَّ القارئ فيه يكون محدثًا في الغالب، ونقل النَّوويُّ في «الأذكار»: عدم الكراهة عن الأصحاب، ورجَّحه السُّبكيُّ. نعم، في «شرح الكفاية» للصَّيمريِّ: لا ينبغي أن يقرأ، وسوَّى الحَلِيميُّ بينه وبين القرآن حال قضاء الحاجة، وعن أبي حنيفة: الكراهة لأنَّ حكمه حكم بيت الخلاء، والماء المُستعمَل في الحمَّام نجسٌ، وعن محمَّد بن الحسن: عدم الكراهة لطهارة الماء عنده. (وَ) لا بأس (بِكَتْبِ الرِّسَالَةِ) بمُوحَّدةٍ مكسورةٍ وكافٍ مفتوحةٍ، عطفًا على قوله: «بالقراءة» (عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) مع كون الغالب تصدير الرَّسائل بالبسملة، وقد يكون فيها ذكرٌ أو قرآنٌ، والجارُّ والمجرور متعلِّقٌ بـ «كتبِ» لا «بالقراءة في الحمَّام»، كذا قال البرماويُّ والحافظ ابن حجرٍ، وتعقَّبه العينيُّ فقال: لا نسلِّم ذلك، فإنَّ قوله: و«بكتبِ الرِّسالة» _على الوجهين_ متعلِّقٌ بالقراءة، وقوله: «على غير وضوءٍ» متعلِّقٌ(3) بالمعطوف والمعطوف عليه لأنَّهما كشيءٍ واحدٍ، وهذا الأثر رواه عبد الرَّزَّاق موصولًا عنِ الثَّوريِّ عن منصورٍ، ولفظه: «قال: سألت إبراهيم: أأكتب(4) الرِّسالة على غير وضوءٍ؟ قال: نعم» / وفي رواية أبوَي ذَرٍّ والوقت‼ والأَصيليِّ: ”ويُكتب“ بلفظ مضارع «كتب» وهي رواية الأكثر، والأولى _وهي رواية كريمة، قال العينيُّ_: أوجه (وَقَالَ حَمَّادٌ) أي: ابن سليمان، شيخ أبي حنيفة وفقيه الكوفة: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ ممَّا وصله الثَّوريُّ في «جامعه» عنه: (إِنْ كَانَ عَلَيْهِمْ) أي: على الذين داخل الحمَّام للتَّطهير (إِزَارٌ) اسمٌ لما يُلبَس في النِّصف الأسفل (فَسَلِّمْ) زاد في رواية الأَصيليِّ: ”عليهم“ وتفسير ابن حجرٍ قوله: «إن كان عليهم» بمَنْ في الحمَّام، تعقَّبه العينيُّ بأنَّه عامٌّ يشمل القاعد بثيابه في المسلخ، وهو لا خلاف فيه، وأُجيب بأنَّ المسلخ وإن أُطلِق عليه اسم الحمَّام فمجازٌ، والحمَّام في الحقيقة: ما فيه الماء الحميم، والأصل استعمال الحقيقة دون المجاز (وَإِلَّا) بأن لم يكن عليهم إزارٌ (فَلَا تُسَلِّمْ) عليهم إهانةً لهم لكونهم على بدعةٍ، أو لكون السَّلام عليهم يستدعي تلفُّظهم بردِّ السَّلام الذي هو من أسمائه تعالى، مع أنَّ لفظ: «سلامٌ عليكم» مِنَ التَّنزيل [الأنعام:54] والمتعرِّي عن الإزار يشبه من في الخلاء، وبهذا التَّقرير(5) يتوجَّه ذكر هذا الأثر في هذه التَّرجمة، وقد روى مسلمٌ من حديث ابن عمر كراهة ذكر الله بعد الحدث، لكنَّه ليس على شرط المؤلِّف.


[1] في (ص) و(م) و(ج): «إلى».
[2] في (م): «خصَّص ذكره» وسقط من (ص).
[3] في (د): «يتعلَّق».
[4] في (ص): «أكتب».
[5] في (ص): «التقدير».