إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ابغني أحجارًا أستنفض بها ولا تأتني بعظم ولا روث

          155- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) أي: ابن أبي الوليد (المَكِّيُّ) الأزرقيُّ، جدُّ أبي الوليد، محمَّد بن عبد الله، صاحب «تاريخ مكَّة»، المُتوفَّى سنة أربعَ عشرةَ أو اثنتين وعشرين ومئتين قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو(1) بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو) بكسر عين «سعِيدٍ» (المَكِّيُّ) القرشيُّ الأمويُّ (عَنْ جَدِّهِ) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاصي، الثِّقة (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ أنَّه (قَالَ: أتْبَعْتُ النَّبِيَّ صلعم ) بقطع الهمزة في(2) الرُّباعيِّ، أي: لحقته، قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ }[الشعراء:60] وبهمزة وصلٍ وتشديد المُثنَّاة الفوقيَّة، أي: مشيت وراءه (وَ) قد (خَرَجَ لِحَاجَتِهِ) جملةٌ وقعت حالًا، فلا بدَّ فيها(3) من «قد» إمَّا ظاهرةً، وإمَّا(4) مُقدَّرَةً / (فَكَانَ) ╕ ، بفاء العطف، ولغير أبي(5) ذَرٍّ ممَّا ليس في «اليونينيَّة»: ”وكان“ (لَا يَلْتَفِتُ) وراءه، وهذه كانت عادته ╕ في مشيه (فَدَنَوْتُ) أي: قربت (مِنْهُ) لأستأنس به، كما في رواية الإسماعيليِّ، وزاد: فقال: من هذا؟ فقلت: أبو هريرة (فَقَالَ: ابْغِنِي) بهمزة وصلٍ مِنَ الثُّلاثيِّ، أي: اطلب لي، يقال: بَغَيْتُكَ الشَّيء، أي: طلبتُه لك، وبهمزة قطعٍ إذا كان من المَزِيد، أي: أَعِنِّي على الطَّلب، يقال: أبغيتُك الشَّيءَ، أي: أعنتُك على طلبه، قال العينيُّ _كالحافظ ابن حجرٍ_: وكلاهما روايتان، وللأَصيليِّ: ”فقال: أبغ لي“ بهمزة قطعٍ وباللَّام بعد الغَيْن بدل «النُّون»، وللإسماعيليِّ: «ائتني» (أَحْجَارًا): نصبُ مفعولٍ ثانٍ لـ «أَبغني» (أَسْتَنْفِضُْ بِهَا) بالنُّون والفاء المكسورة، والضَّاد المُعجَمَة مجزومٌ جوابًا للأمر، وهو الذي في فرع «اليونينيَّة» كهي، ويجوز رفعه على الاستئناف، والاستنفاض: الاستخراج، ويُكنَّى به عنِ الاستنجاء، كما قاله المطرِّزيُّ، وفي «القاموس»: استنفضه: استخرجه، وبالحجر: استنجى (أَوْ) قال ╕ (نَحْوَهُ) بالنَّصب مفعول «قال» أي: قال نحو هذا اللَّفظ، كأستنجي وأستنفض(6)، والتَّردُّد من بعض رواته (وَلَا تَأْتِنِي) بالجزم بحذف حرف العلَّة على النَّهي، وفي رواية ابن عساكر وأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ولا تأتيني“ بإثباته على النَّفي، وفي روايةٍ في الفرع كأصله: ”ولا تأتي“(7) (بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) لأنَّهما مطعومان للجنِّ، كما عند المؤلِّف في «المبعث» [خ¦3860]: أنَّ أبا هريرة ☺ قال للنَّبيِّ صلعم لمَّا أن فرغ: ما بالُ العظم والرَّوث؟ قال: «هما من طعام الجنِّ»، وفي حديث أبي داود عن ابن مسعودٍ: أنَّ وفد الجنِّ قدموا على رسول الله صلعم ، فقالوا: يا محمَّد، انْهَ أمَّتك عن الاستنجاء بالعظم والرَّوث، فإنَّ الله تعالى جعل لنا فيه رزقًا، فنهاهم عن ذلك، وقال: «إنَّه زاد إخوانكم من الجنِّ»، وقِيلَ: النَّهيُ في العظم لأنَّه لزجٌ فلا يتماسك لقطع النَّجاسة، وحينئذٍ فيلحق به: كلُّ ما في معناه كالزُّجاج الأملس، أو لأنَّه لا يخلو غالبًا من بقيَّة دسمٍ تعلَّق به، فيكون مأكولًا‼ للنَّاس، ولأنَّ الرَّوث نجسٌ فيزيد ولا يُزيل، ويلحق به: كلُّ نجسٍ ومتنجِّسٍ، فلو حُرِقَ(8) العظم وخرج عن حال العظام، فوجهان: أصحُّهما ما(9) في «المجموع»: المنع، ويلحق بالعظم: كلُّ مطعومٍ للآدميِّ لحرمته، فإنِ(10) اختصَّ بالبهائم، قال الماورديُّ: لم يَحْرُم، ومنعه ابن الصَّبَّاغ، والغالب كالمُختَصِّ، أوِ استويا فوجهان، وقد نبَّه في الحديث باقتصاره في النَّهيِ على العظم والرَّوث على أنَّ ما سواهما يجزئ(11)، ولو كان ذلك مُختَصًّا بالأحجار _كما يقوله(12) بعض الحنابلة والظَّاهريَّة_ لم يكن لتخصيص هذين بالنَّهيِ معنًى، وإنَّما خُصَّا بالذِّكر لكثرة وجودهما.
          قال أبو هريرة: (فَأَتَيْتُهُ) ╕ (بِأَحْجَارٍ بِطَرَفِ) أي: في طرف (ثِيَابِي، فَوَضَعْتُهَا) بتاءٍ بعد العَيْن السَّاكنة، وفي روايةٍ: ”فوضعها“ (إِلَى جَنْبِهِ وَأَعْرَضْتُ) وللكُشْمِيْهَنِيِّ في غير «اليونينيَّة»: ”واعترضت“ (عَنْهُ) بزيادة تاءٍ بعد العَيْن (فَلَمَّا قَضَى) صلعم حاجته (أَتْبَعَهُ)(13) بهمزة قطعٍ، أي: ألحقه(14) (بِهِنَّ) أي: أتبع المحلَّ بالأحجار، وكنَّى به عنِ الاستنجاء، واستنبط منه مشروعيَّة الاستنجاء، وهل هو واجبٌ أو سُنَّةٌ؟ وبالأوَّل قال الشَّافعيُّ وأحمد⌐ لأمره ╕ بالاستنجاء بثلاثة أحجارٍ، وكلُّ ما فيه تعدُّدٌ يكون واجبًا كولوغ الكلب، وقال مالكٌ وأبو حنيفة والمزنيُّ من أصحابنا(15) الشَّافعيَّة: هو سُنَّةٌ، واحتجُّوا بحديث أبي هريرةَ عند أبي داودَ مرفوعًا: «منِ استجمر فلْيُوْتِر، من فعل فقد أحسنَ، ومن لا فلا حرج...» الحديثَ، قالوا: وهو يدلُّ على انتفاء(16) المجموع لا الإيتار وحده(17)، وأن يكون قبل الوضوء اقتداءً به ╕ ، وخروجًا من الخلاف، فإنَّه شرطٌ عند أحمد، وإن أخَّره بعد التَّيمُّم لم يُجْزِئه(18).


[1] في (م): «عمر»، وهو خطأ.
[2] في غير (د) و(ص): «من».
[3] في غير (ب) و(س): «فيه».
[4] في غير (د) و(م): «أو».
[5] في (م): «ولأبي»، وليس بصحيحٍ.
[6] في غير (د) و(ص): «أو أستنظف».
[7] في (د): «ولا تأتِ».
[8] في (ب) و(س): «ولو أحرق».
[9] «ما»: مثبتٌ من (م).
[10] في (د): «فلو».
[11] في (ب) و(س): «مجزئ».
[12] في (ب) و(س): «يقول»، وفي (د): «تقوله».
[13] في (ص): «أتبعته».
[14] في (ص): «ألحقته».
[15] في (د): «أصحاب».
[16] في (ص): «انتقاء»، وهو تصحيفٌ.
[17] «وحده»: سقط من (ص).
[18] في (م): «يجز».