إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن عائشة كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه

          103- وبالسَّند قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ) بكسر العَيْن (ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ) الجمحيُّ المصريُّ(1)، المُتوفَّى سنة أربعٍ وعشرين ومئتين، ونسبه لجدِّ أبيه لأنَّ أباه الحكم بن محمَّد بن أبي مريم (قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”ابن عمر الجمحيُّ“ وهو قرشيٌّ مَكِيٌّ، تُوفِّي سنة أربعٍ وعشرين ومئة(2) (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) بضمِّ الميم وفتح اللَّام، عبد الله بن عبيد الله (أَنَّ عَائِشَةَ) بفتح الهمزة، أي: بأنَّ عائشة (زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم ) ♦ (كَانَتْ لَا تَسْمَعُ(3)) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”لا تستمع(4)“ (شَيْئًا) مجهولًا موصوفًا بوصفٍ(5) (لَا تَعْرِفُهُ إِلَّا رَاجَعَتْ فِيهِ) النَّبيَّ صلعم (حَتَّى) أي: إلى أن (تَعْرِفَهُ) وجمع بين «كانت» الماضي وبين «لا تسمع» المضارع؛ استحضارًا للصُّورة الماضية لقوَّة تحقُّقها (وَأَنَّ النَّبِيَّ صلعم ) عطفٌ على قوله: «أنَّ عائشة» (قَالَ: مَنْ) موصولٌ مُبتدَأٌ، و(حُوسِبَ) صلته، و(عُذِّبَ) خبر المُبتدَأ (قَالَتْ عَائِشَةُ) ♦ : (فَقُلْتُ: أَ) كان كذلك (وَلَيْسَ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى) وللأَصيليِّ وكريمة: ” ╡ “، فـ «يقول»: خبر «ليس»، واسمها: ضمير الشَّأن، أو: أنَّ «ليس» بمعنى لا، أي: أَوَ لا يقول الله تعالى: ({ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:8]) أي: سهلًا لا يُناقَش فيه (قَالَتْ) عائشة ♦ : (فَقَالَ)(6) رسول الله صلعم : (إِنَّمَا ذَلِكِ العَرْضُ) بكسر الكاف لأنَّه خطابٌ لمؤنَّثٍ(7) (وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ) بالنَّصب على المفعوليَّة، أي: من ناقشه الله الحساب، أي: مَنِ استقصى حسابه (يَهْلِكْ) بكسر اللَّام وإسكان الكاف، جواب «مَن» الموصول المتضمِّن معنى الشَّرط، ويجوز رفع الكاف(8) لأنَّ الشَّرط إذا كان ماضيًا جاز في الجواب الوجهان، وللأَصيليِّ: ”عُذِّب“ بدل «يهلك»(9)، والمعنى: أنَّ تحرير الحساب يفضي إلى استحقاق العذاب لأنَّ حسنات العبد متوقِّفَةٌ على القبول، وإن لم تحصل الرَّحمة المقتضية للقبول لا تقع النَّجاة، وظاهر قول ابن أبي مُلَيْكَة: أنَّ عائشة كانت لا تسمع شيئًا لا تعرفه إلَّا راجعت فيه، وفيه: الإرسال لأنَّ ابن أبي مُلَيْكَةَ تابعيٌّ لم يدرك مُراجَعَتها النَّبيَّ صلعم ، لكنَّ قول عائشة: «فقلت(10): أَوَليس» يدلُّ على أنَّه موصولٌ، والله أعلم.


[1] في كل الأصلول: «البصري» وهو تصحيف، والمثبت من مصادر الترجمة.
[2] كذا في النُّسخ، وفي (د): «ومئتين»، والصَّحيح: أنَّه توفِّي سنة (169). انظر «طبقات ابن سعد» (8/56)، و«الكاشف» (3/181)، و«تهذيب التَّهذيب» (4/208).
[3] في (ب): «تستمع»، وهو خطأ.
[4] في (ب): «تسمع»، والمثبت هو الصَّواب.
[5] في (م): «بصفةٍ».
[6] في (د): «قال».
[7] في (د): «للمؤنَّث»، وفي (س) و(م): «المُؤنَّث».
[8] في (م): «ويجوز الرفع».
[9] قوله: «وللأصيليِّ: عُذِّب بدل يهلك» مثبتٌ من (م).
[10] في (م): «فقالت».