إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: نحن الآخرون السابقون يوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا

          896- 897- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الأزديُّ البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا) ولأبي ذَرٍّ: ”حدّثني“ (وُهَيْبٌ) بضمِّ الواو وفتح الهاء، ابن خالدٍ البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا) بالجمع، ولأبي ذَرٍّ: ”حدَّثني“ (ابْنُ طَاوُسٍ) عبد الله، ولابن عساكر: ”عن ابن طاوسٍ“ (عَنْ أَبِيهِ) طاوس بن كيسان (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : نَحْنُ) يعني: نفسه‼ الشَّريفة ╕ وأمَّته، أو نفسه الكريمة فقط، أو الأنبياء عليهم الصَّلاة والسَّلام (الآخِرُونَ) في الزَّمان (السَّابِقُونَ) في الفضل والفضيلة (يَوْمَ القِيَامَةِ، أُوتُوا) أهل الكتاب (الكِتَابَ) التَّوراة والإنجيل (مِنْ قَبْلِنَا، وَأُوتِينَاهُ) بضمير المفعول، أي: القرآن العزيز، ولأبي ذَرٍّ في نسخةٍ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”وأوتينا“ (مِنْ بَعْدِهِمْ، فَهَذَا اليَوْمُ) أي: يوم الجمعة (الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) بعد أن عُيِّن لهم، وأُمِروا بتعظيمه، فتركوه وغلبوا القياس، فعظَّمت(1) اليهودُ السَّبتَ للفراغ فيه من الخلق، وظنَّت ذلك فضيلةً توجب عظم اليوم، وعظَّمت النَّصارى الأحد لما كان ابتداء الخلق فيه (فَهَدَانَا اللهُ) إليه بالوحي الوارد في تعظيمه، أو بالاجتهاد الموافق للمراد، والإشارة في قوله: «فهدانا» إلى سَبْقِنا لأنَّ الهداية سببٌ للسَّبق يوم المعاد، وللأَصيليِّ: ”وهدانا الله“ بالواو بدل الفاء (فَغَدًا) مجتَمعٌ (لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ) مجتَمعٌ (لِلنَّصَارَى) والتَّقدير بنحو «مجتَمعٍ» لا بدَّ منه، لأن الظروف لا تكون أخبارًا عن الجثث(2) كما مرَّ، ورُوِي ”فغدٌ“ بالرَّفع، مبتدأٌ في حكم المضاف، فلا يضرُّ كونه في الصُّورة نكرةً، تقديره: فغدُ الجمعة لليهود، وغدُ بعدَ غدٍ للنَّصارى (فَسَكَتَ) صلعم .
          (ثُمَّ قَالَ: حَقٌّ) وفي بعض النُّسخ: ”فحقٌّ“ بالفاء، ويجوز أن يكون(3) جواب شرطٍ محذوفٍ، أي: إذا كان الأمر كذلك فحقٌّ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) محتلمٍ حضرَ الجمعة (أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا) زاد النَّسائيُّ: «هو يوم الجمعة» (يَغْسِلُ فِيهِ) أي: في اليوم (رَأْسَهُ وَ) يغسل (جَسَدَهُ) ذَكَرَ الرَّأس وإن كان الجسد يشمله للاهتمام به، لأنَّهم كانوا يجعلون فيه الدُّهن والخطميَّ ونحوهما، وكانوا يغسلونه أوَّلًا ثمَّ يغتسلون، وقد أورد المؤلِّف(4) _كما / أفاده في «الفتح»_ هذا الحديث في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3487] من وجهٍ آخر عن وُهَيبٍ بهذا الإسناد دون قوله: «فسكت...» إلى آخره، ثمَّ قال: ويؤيِّد(5) كونه مرفوعًا رواية مجاهدٍ عن طاوسٍ المقتصرة على الحديث الثَّاني، ولهذه النُّكتة أورده بعده فقال:
          898- (رَوَاهُ) أي: الحديث المذكور (أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ) بفتح الهمزة وتخفيف المُوحَّدة ممَّا وصله البيهقيُّ من طريق سعيد بن أبي هلالٍ عن أبان (عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ) وللأَصيليِّ: ”قال(6): قال رسول الله“ ( صلعم : لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) محتلمٍ (حَقٌّ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا) هو يوم الجمعة إذا حضرها، والصَّارف لذلك عن الوجوب حديث مسلمٍ: «من توضَّأ فأحسن الوضوء، ثمَّ أتى الجمعة فدنا(7)...»، وحديث التِّرمذيِّ: «من توضَّأ يوم الجمعة فبها ونعمت»، كما مرَّ.
          ورواة الحديث الأوَّل ما بين بصريٍّ ويمانيٍّ، وفيه: رواية الابن عن الأب، وفيه: التَّحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلِّف أيضًا في «ذكر بني إسرائيل» [خ¦3487]، ومسلمٌ في «الجمعة»، وكذا النَّسائيُّ.


[1] في (ص) و(م): «فغلَّبت».
[2] في (ب) و(د): «الجثة».
[3] في غير (ص) و(م): «تكون».
[4] زيد في (ب): «أوَّلًا».
[5] في (د) و(م): «يؤكِّد». وكذا في «الفتح».
[6] «قال»: مثبتٌ من (ص).
[7] في (س): «فدانا»، وهو تحريفٌ.