الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها

          ░11▒ (باب: مَنْ لَم يتطوَّع فِي السَّفر دُبُر الصَّلاة وَقَبْلها)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: الظَّاهر أنَّه أراد بذلك عدم التَّأكُّد، وإلَّا فقد ثبت عنه خلافه كما مرَّ، ويمكن أن يكون المراد أنَّه لم يكن يتطوَّع السُّنن القبليَّة والبعديَّة وإن كان يتنفَّل غيرها مِنْ نافلة الإشراق والتَّهجُّد وغيرها. انتهى.
          وفي «هامشه»: اعلم أوَّلًا أنَّ الرِّوايات في صلاة التَّطوُّع في السَّفر مختلفة جدًّا، يظهر مِنَ الرِّوايات الكثيرة أنَّه صلعم كان يتطوَّع في السَّفر، وفي كثير منها أنَّه صلعم لا يتطوَّع في السَّفر، فأراد البخاريُّ بهاتين التَّرجمتين _هذه والآتية بعدها_ الجمع بين مختلف ما ورد في ذلك.
          وثانيًا: أن نُسخ البخاريِّ مختلفة في ذكر هاتين التَّرجمتين في لفظ: (قبلها) ففي «النُّسخ الهنديَّة» لفظ: (قبلها) موجودة في البابين، وعليه بنى الشَّيخ كلامه، وعلى هذه النُّسخة فالجمع بين الرِّوايات المختلفة أنَّ روايات الإثبات مبنيَّة على غير الرَّواتب، وروايات النَّفي على الرَّواتب، سواء كانت قبليَّة أو بعديَّة، ويشكل على هذا ذكر ركعتي الفجر في التَّرجمة الثَّانية، فيؤوَّل بأنَّ ذكرهما بمنزلة الاستثناء، يعني أنَّ النَّفي في الرَّواتب القبليَّة لما عدا ركعتي الفجر، فإنَّهما لتأكُّدهما مستثناة عن ذلك، والنُّسخة الثَّانية حذف لفظ: (قبلها) عن البابين معًا، وعلى هذه النُّسخة بنى الحافظان ابنُ حَجَرٍ والعَينيُّ «شرحيهما»، وعلى هذه النُّسخة لا إشكال في ذكر ركعتي الفجر في الباب الآتي؛ لأنَّهما أيضًا مِنْ جملة الدُّبر، ولذلك رجح الحافظ هذه النُّسخة، وعلى هذا فالجمع بين الرِّوايات المختلفة أنَّ النَّفي محمول على السُّنن البعديَّة، والإثبات على السُّنن القبليَّة.
          وهاهنا نسخة ثالثة ذكرها القَسْطلَّانيُّ إذ قال بعد التَّرجمة الثَّانية: وسقط عند أبي الوقتِ وابن عساكر والأصيليِّ لفظ: (في غير دبر الصَّلاة وقبلها)(1). انتهى.
          ثمَّ قال الحافظ: نقل النَّوويُّ أنَّ العلماء اختلفوا في التَّنفُّل في السَّفر على ثلاثة أقوال: المنع مطلقًا، والجواز مطلقًا، والفرق بين الرَّواتب والمطلقة وهو مذهب ابن عمر، وأغفلوا قولًا رابعًا: وهو الفرق بين اللَّيل والنَّهار في المطلقة، وخامسًا: الفرق بين البعديَّة وغيرها(2).
          وزاد في «الأوجز» قولًا سادسًا: وهو مختار ابن القيِّم في «الهدي»: وهو التَّطوُّع بالوتر وركعتي الفجر دون غيرها مِنَ الرَّواتب.
          وذكر في «الفيض» قولًا آخر: قال محمَّد بن الحسن: يتركها إن كان سائرًا ويصلِّيها إن كان نازلًا.
          وحكى في «الأوجز» عن النَّوويِّ استحباب / الرَّواتب عن الشَّافعيِّ والجمهور.


[1] إرشاد الساري:2/299
[2] فتح الباري:2/578