الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل من الشراب

          ░5▒ (باب: مَا جَاءَ في أنَّ الخَمْر مَا خَامَر العَقْلَ...) إلى آخره
          قالَ الحافظُ: قوله: (الخَمر ما خَامَر العَقْلَ) قالَ الكَرْمانيُّ: هذا تعريف بحسب اللُّغة، وأمَّا بحسب العُرْف فهو ما يخامر العقل مِنْ عصير العنب خاصة، كذا قال، وفيه نظر، لأنَّ عُمَرَ ليْسَ في مَقَامِ تعريفِ اللُّغة بل هُو في مَقَامِ تَعْرِيفِ الحُكْمِ الشَّرعيِّ... إلى آخر ما بسط أشدَّ البسط.
          قلت: الأوَّل قول الحنفيَّة، والثَّاني مسلك الجمهور مِنَ الأئمَّة الثَّلاثة، وحاصل اختلاف الأئمَّة في حكم الأَشْرِبة ما ذكرته في «الأوجز» مبسوطًا، وعنه في «هامش اللَّامع» مختصرًا.
          وفيه: اعلم أنَّ الأَشْرِبة المُسْكِرة كلَّها حرامٌ عند الأئمَّة الثَّلاثة والإمام محمَّد رضي الله عنهم أجمعين، فإنَّهم جعلوا كلَّها خمرًا، وحرَّمُوا كلَّ أنواعها بلا تفصيل وتفريق، والحنفيَّة أهل الرَّأي / الثَّاقب لِما أمعنوا النَّظر في الرِّوايات المختلفة في هذا الباب، ورَأَوا عمل جمهور الصَّحابة لا سيَّما أكابر الصَّحابة رضوان الله [تعالى] عليهم أجمعين فرَّقُوا في أنواع الأشربة، وجعلوها أربعة(1) أنواع، ففي «الهداية»: إنَّ الأشْرِبَة المحرَّمة أربعة:
          أحدها: الخمر، وهي عصير العنب إذا غلا واشتدَّ وقذف بالزَّبد، الثَّاني: العصير إذا طُبِخ حَتَّى يذهب أقلُّ مِنْ ثُلُثَيه وهو الطِّلاء، الثَّالث: نقيع التَّمر وهو السَّكَر، الرَّابع: نقيع الزَّبيب إذا اشتدَّ وغلا... إلى آخر ما ذكر فيه.
          وحاصل مذهبنا في الأشربة أنَّها ثلاثة أنواع:
          أحدها: الخمر، وهو الَّتي مِنْ ماء العنب إذا اشتدَّ وغَلا وقَذَف بالزَّبَد، وحُكْمُها أنَّ عينها حرام يُحَدُّ بشُرْبِ قَطْرَةٍ منها وإن لم يَسْكَر، ويَكْفُر مُسْتَحِلُّها. والثَّاني: الأشربة الثَّلاثة المذكورة، أعني عصير العنب المطبوخ حَتَّى يذهب أقلُّ مِنْ ثلثيه، ونقيع التَّمر، ونقيع الزَّبيب، وحُكْمُ هذه الثَّلاثة أنَّه يَحْرُم قليلها وكثيرها، لكنْ لا يُحَدُّ بها مالم يَسْكَر، ولا يَكْفُر(2) مستَحِلُّها. النَّوع الثَّالث: ما سِوى ذلك مِنَ الأشربة المُسْكِرة كالمتَّخذة مِنَ الحِنْطَة أو الشَّعير أو العسل، وحكمها أنَّه يجوز شربُها عند أبي حنيفة وأبي يوسف للتَّقَوِّي على العبادة لا للتَّلَهِّي مالم يبلغ حدَّ السُّكْر، فإنْ بلغ مقدارُ الشُّرب إلى حدِّ السُّكْر يحرم هذه الجرعة الأخيرة، ومع ذلك لا يُحَدُّ شاربُها على قول، قالوا: والأصحُّ أنَّه يُحَدُّ. انتهى ملخَّصًا مِنْ «هامش اللَّامع» بزيادة.


[1] في (المطبوع): ((بأربعة)).
[2] في (المطبوع): ((يكفَّر)).