التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إني لأنذركموه وما من نبي إلا أنذره قومه

          3337- قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّه عبدُ الله بنُ عثمانَ بنِ جَبَلَة بن أبي رَوَّاد، وأنَّ لقبه عبدان [خ¦6]، وتَقَدَّمَ أنَّ (عَبْد اللهِ) بعدَه: ابنُ المُبَارك، أحدُ الأعلام، وأنَّ (يُونُسَ): هو ابنُ يزيدَ الأيليُّ، وأنَّ (الزُّهْرِيَّ): هو مُحَمَّدُ بنُ مسلم بن عُبَيد الله بن عَبد الله بن شهابٍ، أحدُ أعلامِ الإسلام.
          قوله: (ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ): أشهَرُ مِنْ أن يُذكَر، وقد ذكرت فيه بعض كلام، وسأذكره أيضًا في (الفتن) حيث ذكره البُخاريُّ [خ¦92/26-10563]، وقد أحلت فيما مضى الكلامَ فيه على «التذكرة» للقرطبيِّ، فإنَّه أطال فيه [خ¦86].
          قوله: (لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوْحٌ قَوْمَهُ): سُئِلتُ: لمَ خصَّ النَّبيُّ صلعم نوحًا بالذكر دون غيره من الأنبياء؟ والذي يظهر أنَّ نبيَّنا أنذر أُمَّته بمثل ما أَنذَرَ به نوحٌ قومَه؛ فلهذا خصَّه بالذِّكْرِ وإن كان جميع الأنبياء أنذروا قومَهم، لكن لم يُنذِروا ويُخبِروا بصفته على الكيفيَّة التي ذكرها النَّبيُّ صلعم، ولم يذكرها كذلك إلَّا نوح؛ فلهذا خصَّه بالذِّكْرِ، وقد زاد ╕ عليهم: (بأنَّ الدَّجَّال أعورُ، وأنَّ الله ليس بأعور).
          فإن قيل: لمَ لمْ تَقُل: إنَّما خصَّه بالذِّكْرِ لطول المُدَّة الماضية عليه؟ فالجواب: أنَّ آدم أقدمُ منه، ولم يخصَّه، وكذا لم يذكر إدريس _على القول بأنَّه خنوخ_ بالذِّكْرِ.
          وظهر لي جوابٌ آخرُ وهو أنَّ نوحًا أطولُ الرُّسُل في قومهم مكثًا، وإذا كان كذلك؛ فالظاهر تكرار الإنذار منه لقومه بهذه الفتنة العظيمة(1)، ومع هذا المكث الطويل والإنذار الكثير لم يَقُلْ ما قلتُه مِن كونه أعور، وأنَّ الله ليس بأعور، فإنَّ هذه الصفة في غاية الوضوح؛ لأنَّ العَوَر في العين ظاهرٌ لكلِّ مَن يراه، فلم يُحِلْ أمَّتَه على علامةٍ باطنةٍ، ولا على قرينةٍ، ولا صفةٍ خَفِيَّة، بل وصفه بأوضح الصفات، والله أعلم.
          قوله: (تَعْلَمُونَ): هو بإسكان العين، وأمَّا (تَعَلَّمُوا)؛ فذاك فيه عملٌ آخرُ؛ بالتشديد في اللام، واتَّفق الرواة عليه؛ بمعنى: اعلموا.


[1] (العظيمة): ليس في (ب).