التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يرد السلام في الصلاة

          ░15▒ بابُ لا يَرُدُّ السَّلامَ في الصَّلَاةِ.
          1216- ذَكَر فيه حديث عَلْقَمةَ، عن عَبْدِ اللهِ قال: (كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صلعم وَهُوَ فِي الصَّلاة فَيَرُدُّ عَلَيَّ...) الحديث.
          1217- وحديث عطاءٍ عن جابرٍ: قال: (بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم فِي حَاجَةٍ، فَانْطَلَقْتُ...) الحديث، وقد سلفا، الأوَّلُ في باب: ما يُنهى من الكلام، والثاني ذكرتُه فيه، وأخرجه مسلمٌ أيضًا، وأخرجه أيضًا مِن حديث أبي الزُّبير عن جابرٍ.
          وحكى ابن بطَّالٍ هنا الإجماع أنَّه لا يردُّ السلام نطقًا، وقد أسلفناه في موضعه. قال: واختلفوا: هل يردُّ بالإشارة؟ فكرِهَتْهُ طائفةٌ، رُوي ذلك عن ابن عُمَرَ وابن عبَّاسٍ، وهو قول أبي حنيفةَ والشافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثورٍ. واحتجَّ الطَّحاويُّ لأصحابه بقوله: (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلاة شُغْلًا). واختلف فيه قول مالكٍ، فمرَّة كَرِهَه ومرَّةً أجازه، وقال: لِيرُدَّ مشيرًا بيده ورأسه. ورخَّصت فيه طائفةٌ، رُوي عن سعيد بن المسيِّب وقَتَادةَ والحسنِ. وفيه قولٌ ثالث أنَّه يَرُدُّ إذا فرغ، وقد سلف هناك.
          واحتجَّ الذين رخَّصوا في ذلك بما رواه ابن أبي شَيْبَةَ، عن وكيعٍ عن ابن عونٍ عن ابن سيرينَ قال: ((لَمَّا قدِم عبدُ الله مِن الحبشة وأتى النَّبيَّ صلعم وهو يُصَلِّي، فسلَّم عليه فأومأ وأشار برأسه)). وعن ابن عُمَرَ قال: سألت صُهيبًا: كيف كان النَّبيُّ صلعم يصنع حين يُسلَّم عليه وهو يُصَلِّي؟ قال: ((يشير بيده)). وعن ابن عُمَرَ ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أتى قُبَاءً فجاء الأنصار يسلِّمون عليه وهو يُصَلِّي، فأشار إليهم بيده)). وقال عطاءٌ: سلَّم رجلٌ على ابن عبَّاسٍ وهو يُصَلِّي فأخذ بيده فصافَحَه وغَمَزَه.
          وقد ثبتت الإشارة عن النَّبيِّ صلعم في الصَّلاة في آثارٍ كثيرةٍ ذكرها البخاريُّ في آخر كتاب الصَّلاة كما ستعلمه قريبًا، فلا معنى لقول مَن أنكر الردَّ بالإشارة، وكذلك اختلفوا في السَّلام على المصلِّي كما أسلفناه هناك، فكرِه ذلك قومٌ، ورُوي عن جابرٍ بن عبد الله قال: لو دخلتُ على قومٍ وهم يصلُّون ما سلَّمتُ عليهم، وقال أبو مِجْلَزٍ: السلام على المصلِّي عجزٌ، وكرهه عطاءٌ والشَّعبيُّ ورواه ابن وهبٍ عن مالكٍ، وبه قال إسحاقُ. ورخَّصَت فيه أخرى، رُوي ذلك عن ابن عُمَرَ. وهو قول مالكٍ في «المدوَّنة» قال: لا يُكره السلام عليه في فريضةٍ ولا نافلةٍ. وفعله أحمد.