التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يجوز من التسبيح والحمد في الصلاة للرجال

          ░3▒ بَابُ مَا يَجُوزُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالحَمْدِ فِي الصَّلاة لِلرِّجَالِ.
          1201- ذكر فيه حديث سَهلٍ قال: (خَرَجَ النَّبِيُّ صلعم يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ، وَحَانَتِ الصَّلاة...) الحديث. سلف في باب: من دخل ليؤمَّ النَّاس فجاء الإمام الأوَّل. ويأتي أيضًا.
          وفيه: أنَّ غير الإمام إذا أراد الصَّلاة يستأذن القوم لقول أبي بكرٍ: (إِنْ شِئْتُمْ). وهو يعلمهم أنَّه أفضلهم بعد رسول الله.
          وجواز إمامة المفضول الفاضلَ إذا سبق في الدخول في الصَّلاة. والرغبة في الصفِّ الأوَّلِ. ورفع اليدين بحمد الله.
          والتَّصفيحُ _بالحاء_ هو: التَّصفيق بصفحتي الكفِّ. وبالقاف: أن يضرب اليمنى على اليسرى. وقيل غير ذلك ممَّا سلف هناك.
          وحَمْدُ / الصِّدِّيقِ لَمَّا أهَّله النَّبيُّ صلعم مِن تقدُّمه بين يديه. وعن ابن القاسم فيمن أُخبر في الصَّلاة بما يسُرُّه فحمِدَ الله، أو بمصيبةٍ فاسترجع، أو أُخبر بشيءٍ فقال: الحمد لله على كلِّ حالٍ، أو الذي بنعمته تتمُّ الصالحات: لا يعجبني، وصلاته تجزئه. قال أشهبُ: إلَّا أن يُريد بذلك قطع الصَّلاة. قال: ولو قرأ الإمام: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فقال المأموم: كذلك الله. لم تفسد صلاته.
          وفيه أيضًا مِن الفقه: أنَّ الإمام لا يجب له تأخيرها عن وقتها المختار وإن غاب الإمام الفاضل.
          وفيه: أنَّ الإقامة إلى المؤذِّن، وهو أولى بها، وقد اختُلف في ذلك، فقال بعضهم: مَن أذَّن فهو يقيم. وقال مالكٌ والكوفيُّون: لا بأس بأذان المؤذِّن وإقامة غيره.
          وفيه: أنَّ التسبيح جائز للرِّجال والنِّساء عندما ينزل بهم مِن حاجةٍ تنوبهم، ألا ترى أنَّ الناس أكثروا بالتَّصفيق لأبي بكرٍ ليتأخَّر للنَّبيِّ صلعم، وبهذا قال مالكٌ والشافعيُّ: إنَّ مَن سبَّح في صلاته لشيءٍ ينوبه، أو أشار إلى إنسانٍ، فإنَّه لا يقطع صلاته.
          وخالف في ذلك أبو حنيفةَ كما أسلفناه هناك فقال: إنْ سبَّح أو حمد الله جوابًا لإنسان فهو كلامٌ، وإن كان منه ابتداءً لم يقطع، وإن وطئ على حصاةٍ أو لسعه عقربٌ فقال: بسم الله. أراد بذلك الوجع فهو كلامٌ. وقال أبو يوسفَ في الأمرين: ليس بكلامٍ. وقول أبي حنيفةَ مخالفٌ للحديث لأنَّه صلعم قال: ((إذا سبَّح التُفِتَ إليه)) وفهِم الصَّحابة مِن هذا أنَّهم إذا سبَّحوا بالإمام ولم يُفهم عنهم أن يُكثروا ذلك حتَّى يُفْهَم، ألا ترى أنَّهم أكثروا التصفيق حتَّى التفت أبو بكرٍ، ولو لم يكن التسبيح على نِيَّة إعلام الساهي ما ردَّدوه حتَّى فهم. وقد بيَّن الشَّارع أنَّ الالتفات في الصَّلاة إنَّما يكون مِن أجل التسبيح، فهو مقصودٌ بذلك.
          وفيه: أنَّ الالتفاتَ في الصَّلاة لا يقطعها.
          وفيه: أنَّه لا بأس بتخلُّل الصُّفوف والمشي إلى الصفِّ الأوَّل بمَن يليق به الصَّلاة فيه لأنَّ شأن الصفِّ الأوَّل أن يقوم فيه أفضل النَّاس علمًا ودينًا لقوله صلعم: ((لِيَلِيَنِي منكم أُولوا الأحلام والنُّهَى)) يعني _والله أعلم_ لِيحفظوا عنه ويعُوا ما كان منه في صلاته صلعم، وكذلك يصلح أن يقوم في الصفِّ الأوَّل مَن يصلح أن يلقِّن ما تعايا عليه مِن القراءة، ومَن يصلح للاستخلاف للصلاة.
          وفيه: دليلٌ على جواز الفتح على الإمام وتلقينه إذا أخطأ. وقد اختلف العلماء فيه، فأجازه الأكثرون، وممَّن أجازه عثمانُ وعليُّ وابن عُمَرَ، ورُوي عن عطاءٍ والحسنِ وابن سيرينَ، وهو قول مالكٍ وأبي يوسف والشافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ. وكرهته طائفةٌ رُوي ذلك عن ابن مسعودٍ والشَّعبيِّ والنَّخَعيِّ، وكانوا يرونه بمنزلة الكلام، وهو قول الثَّوريِّ والكوفيِّين.
          ورُوي عن أبي حنيفةَ: إن كان التَّسبيح جوابًا قطع الصَّلاة، وإن كان مرور إنسانٍ بين يديه لم يقطع. وقال أبو يوسفَ: لا يقطع وإن كان جوابًا. واعتلَّ مَن كرهه بأن قال: التلقينُ كلامٌ لا قراءة. والأوَّلُ أَولى لأنَّه إذا جاز التَّسبيح جازت التلاوة لأنَّه لو قرأ شيئًا مِن القرآن غيرَ قاصدٍ التلقين لم تفسد صلاته عند الجميع، فإذا كان كذلك لم يغيِّر ذلك معناه، قصد به تلقين إمامه أو غيره، كما لو قرأ ما أُمِر بقراءته في صلاته وعمَد بها إسماع مَن بحضرته ليتعلَّمه لم تفسُد بذلك صلاته.
          وقال الطَّحاويُّ: لَمَّا كان التسبيح لِمَا ينوبه في صلاته مباحًا، ففتْحُه على الإمام أحرى أن يكون مباحًا.