التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء

          ░21▒ بَابُ رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُم مَعَ الإِمَامِ في الاسْتِسْقَاءِ.
          1029- 1030- (وقَالَ أَيُّوبُ بنُ سُليمانَ بن بلال: حدَّثني أَبُو بكرِ بن أبي أُوَيْسٍ، عن سُليمانَ بن بلالٍ، عن يحيى بن سعيدٍ: سمعتُ أنسَ بْنَ مالكٍ قال: أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ البَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلَكَتِ المَاشِيَةُ...) الحديث، إلى أن قال: (حَتَّى إِذَا كَانَتِ الجُمُعَةُ الأُخْرَى، فَأَتَى الرَّجُلُ رَسُولَ اللهِ صلعم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بَشِقَ المُسَافِرُ وَمُنِعَ الطَّرِيقُ).
          الشرح: هذا الحديث أخرجه النَّسائيُّ مختصرًا عن بُنْدار عن أبي هشام المغيرة بن سَلَمة عن وُهَيبٍ عن يحيى بن سعيدٍ عن أنسٍ أنَّ النَّبِيَّ صلعم قال: ((اللَّهُمَّ اسْقِنَا)) وأسنده البيهقيُّ مِن حديث أبي إسماعيل محمَّد بن إسماعيل التِّرْمذيِّ حدَّثنا يوسف بن سُليمان، ثمَّ ساقه إلى آخره / ثم قال: أخرجه البخاريُّ في «الصحيح» فقال: وقال أيُّوبُ بن سُليمانَ، ورواه الإسماعيليُّ عن أبي إسماعيل المذكور به، وفيه: ((حُبسَ المسافرُ، وانْقَطَعَ الطَّرِيقُ)).
          ورواه أبو نُعَيمٍ مِن هذا الوجه أيضًا، ثمَّ قال: ذكره البخاريُّ عن أيُّوبٍ بلا رواية، وفيه ((أَشَقَ)) وقال غيره: ((لَشَقَ)). قال ابن الجوزيِّ عن البخاريِّ (بَشِقَ) أي: اشتدَّ السَّفر عليه، وقيل: انحصر، وقيل: حُبس واعتُقل. وقيل: بالباء خطأ إنَّما هو بالنُّون. وقال ابن دريدٍ: بَشِقَ، وبَشِكَ إذا أسرعَ، وقال الخطَّابيُّ: بَشِقَ ليس بشيءٍ، وإنمَّا هو لَثِق مِن اللَّثَق وهو الوَحَلُ، يُقال: لثق الطريق، ولَثِقَ الثَّوب إذا أصابه ندى المطرِ ولطخ الطين، ويحتمل أن يكون مَشِقَ بالميم، يريد أنَّ الطريق صارت مزِلَّة زَلَقًا، ومنه مَشَق الخطُّ، والميم والباء يتقاربان.
          وقال ابن الأثير: قيل: معناه تأخَّر، وقيل: حُبس، وقيل: ملَّ، وقيل: ضعُف، وذكر الرواة في الحديث على ما قاله ابن بطَّال (بَشِقَ) _بالباء_ ولم أجد له في اللغة، ووجدته في «نوادر اللِّحْيَانِيِّ» نَشِق _بالنُّون وكسر الشِّين_ وارثَبَقَ وانربق ونَشِب، وعَلِق واستورطَ، وارتبطَ، واستبرق بمعنى: نَشِب، وعلى هذا يصحُّ المعنى، لقوله ومنع الطَّريق، وقال كُراع: نَشِق الصَّيد في الحِبالة نَشَقًا نَشِب، وكذلك فَرَاشَةُ القُفْلِ.
          وقال المطَرِّز: النُّشْقة: حِبالة الصَّائد، وقال أبو عُبَيد في «المصنَّف»: الرِّبْقة والنُّشْقة: الحَلَقة التي تُشدُّ بها الغنم، وقال ابن فارسٍ في باب النُّون والشين: «نَشِق الظَّبي في الحِبَالة: عَلِق، ورجل نَشِق: إذا وقع في أمر لا يكاد يتخلَّصُ منه». وهذا أبينُ ممَّا ذكره أبو سُليمان، لأنَّ بَشِقَ يصحُّ أن يكون تصحيفًا، بخلاف لَثِق.
          وقال الدِّمياطيُّ: قيل إنَّه الصواب، وقيَّد الأَصِيليُّ نشق بفتح النُّون، وفي «المنضد» بكسرها، وقيل: إنَّه مشتقٌّ مِن الباشق، وهو طائرٌ لا ينصرف إذا كثُر المطر، وقيل: ينفِّر الصَّيد ولا يصيد، حكاه عِيَاض.
          وقوله: (رَفَعَ يَدَيْهِ) هو سُنَّة الاستسقاء، وقد سلف ما فيه في الجمعة، قال ابن حبيبٍ: كان مالك يرى رفع اليدين في الاستسقاء للنَّاس والإمام، وبطونُهُما إلى الأرض، وذلك العمل عندنا للاستكانة والخوف والتضرُّع وهو الرَّهَب، فأمَّا عند الرَّغب والمسألة فيبسط الأيدي، وهو الرَّغَب، وهو معنى قوله: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:90]: خوفًا وطمعًا.
          وقوله: (يَدْعُونَ) فيه دلالةٌ على أنَّهم يدعون معه والناس يؤمِّنون، أو يقولون مثل قوله.