التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الدعاء في الاستسقاء قائمًا

          ░15▒ بَابُ الدُّعَاءِ في الاسْتِسْقَاءِ قَائِمًا.
          1022- 1023- وقال لنا أبو نُعَيمٍ عن زهيرٍ، عن أبي إسحاق: (خَرَجَ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الأَنْصَارِيُّ...) إلى آخره، وهو قوله: (وَلَمْ يُؤَذِّنْ، وَلَمْ يُقِمْ) قال أبو إسحاقَ: وَقَد رَأَى عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ النَّبيَّ صلعم.
          قلت: قد أخرجه البيهقيُّ مِن طريق أبي غسَّان عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، ثمَّ قال: رواه البخاريُّ عن أبي نُعَيمٍ، قال: ورواه الثوريُّ، عن أبي إسحاق، قال: فخطبَ ثمَّ صلَّى، ورواية شُعْبَة عن أبي إسحاق: ((فَصَلَّى رَكْعَتَينِ ثُمَّ اسْتَسْقَى))، ورواية الثوريِّ وزهير أشبه. وقد رواه عن زهيرٍ عن عليٍّ بن الجَعْد. والذي يظهر أنَّ رواية شُعْبَة موافقة لرواية زهيرٍ والثوريِّ، وذلك أنَّهما ذكرا أنَّه خطب ثمَّ صلَّى، ولم يذكرا وقت الاستسقاء، وأمَّا شُعْبَة فذكر أنَّه صلَّى ثمَّ استسقى، ولم يذكر وقت الخطبة.
          وأخرج مسلمُ في المغازي مِن حديث غُنْدَر عن شُعْبَة، عن أبي إسحاق ((أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ يَزِيدَ، خَرَجَ يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ اسْتَسْقَى، قَالَ: فَلَقِيتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فقلت له: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللهِ صلعم؟ قال: تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوةً...)) الحديث. وجعله خلفٌ مِن مسند زيد بن أرقَم، وذكر في مسند عبد الله بن يزيد ما ذكره البخاريُّ خاصَّةً، وأورد له الحُمَيديُّ في «جمعه» في المتَّفق حديثين _أعني: عن عبد الله بن يزيد الخَطْميِّ_ وقد رأى النَّبِيُّ صلعم، أخرجهما البخاريُّ، ولم يخرِّج له مسلمُ شيئًا، وذكر الحديث الآخر، وهو طريق عديِّ بن ثابتٍ، عن عبد الله بن يزيد: ((أنَّهُ صلعم نَهَى عن الْمُثْلَةِ والنُّهْبَى)) وقال: وقد رواه عَدِيٌّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ عن ابن عبَّاس عن النَّبِيِّ صلعم.
          ولعلَّ مرادَ الحُمَيديِّ بقوله: ولم يخرِّج له مسلمٌ شيئًا يعني: حديثًا متَّصلًا مرفوعًا، لكن كان ينبغي له أن يذكره ممَّن انفرد عند البخاريِّ مِن الصَّحابة، وقد ذكر جماعة أنَّ مسلمًا خرَّج له عن البراء وغيره مِن الصَّحابة، وذكره ابن طاهر في الصَّحابة الذين خرَّجَ لهم في «الصحيحين»، وقال: كان صغيرًا على عهد رسول الله صلعم، وكان أمير الكوفة على عهد ابن الزُّبير.
          قال الواقديُّ: مات في زمن ابن الزُّبير، وممَّن نصَّ على أنَّه كان صغيرًا على عهد رسول الله صلعم أبو حاتمٍ. وقال أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: قلتُ لأبي داود: عبد الله بن يزيد الخَطْمِيُّ له صحبةٌ؟ قال: يقولون رؤية، سمعت يحيى بن معين يقول هذا، قال أبو داود: وسمعت مصعب الزُّبيري يقول: ليس له صحبةٌ، وهذا ذكره المزِّيُّ بعد قوله في حقِّه، وتبع في ذلك أبا عمر بن عبد البرِّ أنَّ عبد الله هذا شهد الحديبية وهو ابن سبع عشرة سنةً وكان أميرًا على الكوفة، وشهد مع عليٍّ صِفَّين والجمل والنَّهْروان، فكيف يجتمع هذا القول مع ما سلف، ثمَّ ذكر بعده حديث عبَّاد بن تميمٍ، أنَّ عمَّه أخبره: ((أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم خَرَجَ بالنَّاسِ يَسْتَسقِي...)) الحديث.
          أمَّا فقه الباب: فالسُّنَّة في الاستسقاء لمن برز إليها أن يدعوَ الله قائمًا، لأنَّه حال خشوعٍ وإنابةٍ وخضوعٍ، ولذلك لا خلاف بين العلماء أنَّه لا أذان ولا إقامة لصلاة الاستسقاء.
          وقوله: (وَخَرَجَ مَعَهُ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ) إنَّما استسقى عبد الله بن يزيد، لأنَّه كان الأمير، ففيه استحباب الخروج إلى المصلَّى في الاستسقاء.
          وقوله: (فَقَامَ عَلَى رِجْلَيه عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ) فيه الخطبة قائمًا بدون منبر، حتَّى منع مالكٌ في «المدوَّنة» الاستسقاء عليه، وأجازَه في «المجموعة»، وفي «الذَّخيرة»: لا يخرج المنبر ولكن يتوكَّأُ على عصا.
          وقوله: (وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَلَمْ يُقِمْ) هذا حُكمها، وقد سلف.
          وقوله: (فَاسْتَغْفَرَ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالقِرَاءَةِ) أمَّا الاستغفار فلقوله تعالى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} الآية [هود:3]. جعل الاستغفار مكان الخطبة، وأمَّا صلاة ركعتين فهو مذهب الجمهور، وأمَّا الجهر فله بابٌ يأتي. وأسلفنا رواية الثوريِّ أنَّ الخطبة قبل الصَّلاة، ورواية مسلمٌ أنَّه صلَّى ثمَّ استسقى، وممَّن قال: الخطبة قبل الصَّلاة اللَّيثُ بن سعد، وقاس على الجمعة، ومَن عكس شبَّه بالعيد.
          وفيه دليلٌ على أنَّ صلاة الاستسقاء كصلاة التطوُّع، وهو مذهب مالكٍ والأوزاعيِّ وأبي ثورٍ وإسحاقَ.