التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا أقرضه إلى أجل مسمى أو أجله في البيع

          ░17▒ (بَابُ: إِذَا أَقْرَضَهُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَو أَجَّلَهُ فِي البَيْعِ)
          و(قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي القَرْضِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِنْ دَرَاهِمِهِ، مَا لَمْ يَشْتَرِطْ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: هُو إِلَى أَجَلِهِ فِي القَرْضِ).
          2404- (وَقَالَ اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ عبد الرَّحمنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ _صلعم_: أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى...) فَذَكَرَ الحَدِيثَ.
          الشَّرح: تعليقُ ابنِ عمر أسندَه ابنُ أبي شَيبةَ عن وكيعٍ حَدَّثَنَا حمَّاد بن سَلَمة: سمعتُ شيخًا يُقال له: المُغيرة قال لابن عمر: إنِّي أُسلِفُ جيراني إلى العطاء فيقضوني أجودَ مِنْ دراهمي، قال: لا بأس ما لم تشترط. قال وكيعٌ: وحَدَّثَنَا هشامٌ الدَّسْتُوائيُّ، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن عطاءِ بن يعقوبَ قال: استسلف منِّي ابنُ عمر ألفَ درهمٍ فقضاني دراهمَ أجودَ مِنْ دراهمي، وقال: ما كان فيها مِنْ فضلٍ فهو نائلٌ منِّي إليك أتقبله؟ قلت: نعم.
          وأثر عطاءٍ وعمرٍو قال ابن التِّيْنِ: قال به أبو حَنِيفةَ ومالكٌ، وقال الشَّافِعِيُّ: له أن يأخذ بالقَرض قبل حلول أجله. وعند ابن عمر: يُعطي أفضلَ مِنْ دَراهمه، وهو قولُنا وقولُ مالكٍ.
          وحديثُ الخشبة سلفَ غيرَ مرَّةٍ، وقد اختلفَ العلماءُ فيما إذا أقرض إلى أجلٍ، فهل له المطالبة به قبله؟ فقال مالكٌ وأصحابه: مَنْ أقرض رجلًا دنانيرَ أو دراهمَ أو شيئًا ممَّا يُكَال أو يوزن أو غيرَ ذلك حالًّا ثمَّ طاع له فأخَّره به إلى أجلٍ، ثمَّ أراد الانصرافَ عن ذلك وأخذه قبل الأجل لم يكن ذلك له؛ لأنَّ هذا ممَّا يُتقرَّب به إلى الله _╡_ وهو مِنْ باب الحِسْبَة. وقال أبو حَنِيفةَ: سواءٌ كان القَرض إلى أجلٍ أو غيرِ أجلٍ له أن يأخذَه متى أحبَّ، وكذلك العاريَّة؛ لأنَّه مِنْ باب العِدة والهِبة غيرِ مقبوضةٍ، وهو قولُ الحارث العُكْليِّ وأصحابِه وإبراهيمَ النَّخَعيِّ، قال ابن أبي شَيبةَ: وبه نأخذ. ولا يجوز عندهم تأخيرُ القرض أَلبتَّة، ويجوز تأخيرُ المغصوب وقيمِ المتلَفات، وقال الشَّافِعِيُّ: إذا أخَّره بدينٍ حالٍّ فله أن يرجعَ فيه متى شاء، وسواءٌ كان ذلك مِنْ قرضٍ أو غيره، وكذلك العاريَّة وغيرها؛ لأنَّ ذلك عندهم مِنْ باب العِدة والهبة غير المقبوضة وهبة ما لم يخلق، وهذا كلُّه لازمٌ عند مالكٍ في تأجيل القرض، وفي عاريَّة المنفعة للسُّكنى وغيرها، ويحمل ذلك على العُرف فيما يُستعار الشَّيءُ لمثله مِنَ العَمل والسُّكنى، وكلُّ ذلك عنده مِنْ أعمال البِرِّ الَّتِي أوجبها على نفسه فيلزمُه الوفاء بها.
          وحديثُ أبي هريرة يشهدُ لقول مالكٍ؛ لأنَّ القَرض فيه إلى أجلٍ مسمًّى ولا يجوز فيه تَعَدِّيهِ والاقتضاء قبله، ولو جاز ذلك لكان ضربُ الأجل وتركُه سواءً، ولم يكن لضرب الأجل معنًى وبطل معنى قوله: {وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء:12] وإنَّما فائدتُها معرفة الآجال، وأمَّا إذا أجَّله في البيع فلا خلاف بين العلماء في جواز الآجال فيه؛ لأنَّه مِنْ باب المعاوَضات ولا يأخذه قبل محلِّه.